سورة الليل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) أي : وليل قهره إذا يغشى قلوب المحرومين عن مشاهدة الحق ، ونهار أنوار مشاهدته إذا تجلّى لأرواح العارفين ، نوّرها بضياء قدسه ، ولطائف أنسه.
قال الأستاذ : وليل أصحاب التحيّر يستغرق جميع أقطار أفكارهم ، فلا يقتدون إلى الرشد ، ونهار أهل العرفان إذا تجلّى بضيائه لقلوبهم.
قال سهل : أقسم الله بنفس الطبع ، ونفس الروح ، وهو الضوء مثل في إشراقه.
قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤) : سعي البعض بالنفوس ؛ لطلب الدرجات ، وسعي البعض بالعقول ؛ لطلب الكرامات ، وسعي البعض بالقلوب ؛ لطلب المشاهدات ، وسعي البعض بالأرواح ؛ لطلب المداناة ، وسعي البعض بالأسرار ؛ لفنائها في أنوار الذات وبقائها في أنوار الصفات ، فسعي البعض بالإرادة ، وسعي البعض بالمحبة ، وسعي البعض بالشوق ، وسعي البعض بالعشق ، وسعي البعض بالمعرفة.
قال ابن عطاء : باطن هذه الآية أن يرى سعيه قسمته من الحق له من قبل التكوين والتخليق ، بقوله : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، وأن السعي له مراتب كمراتب المتّصلين بالسلطان والواصلين إليه والندماء والجلساء وأصحاب الأسرار ، كذلك سعي المريدين والمرادين والعارفين والمحبين والمشتاقين والواصلين والفانين عن أوصافهم والمتّصفين بأوصاف الحق هذا إلى ما لا عبادة له ولا غاية.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٥) أي : بدّل وجوده ، والكونين ، وتبرّأ من الدارين ؛ لمشاهدة الله ، ووصاله (وَاتَّقى) : من رؤية الأعواض ، ومعارضة النفس ، والنظر إلى