سورة الحجرات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) : هذا وعيد لمن حكم بخاطره بغير علم بالفرق بين الإلهام والوسواس ، والكشف والخيال ، وهواجس النفس وخطاب العقل ، ولسان السر والنور بخردل من خرافات خاطره ، ويحكم بها من الجهل بكلام الله وسنة رسوله ، ويلزم المستمعين من أبناء جنسه أنها هي الحق ومقصوده الرياء والسمعة ، فإذا قال أحد ما قال الله ورسوله لا ينفكّ عما انتحله من إلقاء العدو وحديث النفس ، فيلزم عليه وعيد الحق وتحذيره بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) عن عذاب البعد وعما يقوله ؛ فإنه تعالى سميع لقوله ، ويجازيه بأن يحرم عليه مقالة الحكمة ، عليم بنيته الكاذبة ، ويجازيه بالنار والشنار ، ولا يخلو الإنسان من هذه العلل النفسانية الشيطانية ، وإن كان صدّيقا فإنها مواضع الامتحان من قهر الله الذي قهر به عباده ، وفيه من الأدب للمريدين ألا يتكلموا بين يدي شيوخهم ، خاصة أنهم يتكلمون بالمعارف ؛ فإنه سبب سقوطهم من أعين الأكابر.
قال سهل : لا يقولوا قبل أن يقول ، وإذا قال فأقبلوا منه منصتين له مستمعين إليه ، واتقوا الله في إمهال حقه وتضييع حرمته ؛ إن الله سميع لما يقولون ، عليم بما يعملون.
قال بعضهم : لا تطلبوا وراء منزلته منزلة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) : أعلمنا الله سبحانه بهذا التأديب أن خاطر حبيبه من كمال لطافته ومراقبته ، جمال ملكوته كان يتغير من الأصوات الجهرية ، وذلك من غاية شغله بالله وجمع همومه بين يدي الله ، فإذا صوت أحد بالجهر عنده خاصة أن يكلم كان يتأذى قلبه من صوته ، ويضيق صدره من ذلك ، كأنه يتقاعد