بقوله : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ، ثم وعدهم بنيل مرادهم من وصاله ، وكشف جماله لهم أبد الآبدين بلا وحشة ولا فترة في آخر السورة بقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) : إيمانهم رؤية نور الغيب بالغيب ، وتصديق الغيب برؤية الغيب ، وعملهم الصالح الخروج من الحدثان شوقا إلى جمال الرحمن ، ومغفرة الله لهم أنه غفر لهم تقصيرهم في العبودية ؛ إذ لم يطيقوا أداء حقوقها كما يليق بالحق ، وقصور إدراكهم وحقيقة الربوبية بالأجر العظيم بأن يجلسهم على بساط قربه ، ويلبسهم لباس نور وصله ، ويتوجهم بتاج المحبة ، ويسقيهم من شراب الدنو والزلفى ، قال سبحانه : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً.)
قال القاسم في قوله : (أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) : أرسل الرسول وعظّم حرمته بإضافته إلى نفسه ، فمن لم يعظّم من عظّمه الله فهو لقلة معرفته بعظمة الله ، أرسله مبينا للشريعة ، مبينا أحكامه ، داعيا إليه ، وجعل طاعته طاعته ، لم ينفصل الرسول عن الحق في الإيجاب والنفي والبلاغ والمشاهدة ، ولم يتصل به من حيث الحقيقة.
وسئل الحسين : متى كان محمد صلىاللهعليهوسلم نبيّا وكيف جاء برسالته؟ فقال : نحن بعد في الرسول والرسالة ، والنبي والنبوة ، أين أنت عن ذكر من لا ذاكر له في الحقيقة إلا هو؟ وعن هوية من لا هوية له إلا بهويته؟ وأين كان النبي عن نبوته حيث جرى العلم بقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ، والمكان عليه والزمان عليه ، فأين أنت عن الحق والحقيقة؟ ولكن إذا أظهر اسم محمد صلىاللهعليهوسلم بالرسالة عظم محله بذكره له بالرسالة ، فهو الرسول المكين والسفير الأمين ، جرى ذكره في الأزل بالتمكين بين الملائكة والأنبياء على أعظم محل وأشرف حال.
قال سهل في قوله : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) : المؤمن من وجهه الله بلا فناء مقبلا عليه غير معرض عنه ، وذلك سيماء المؤمنين.
وقال عامر بن عبد قيس : كاد وجه المؤمن يخبر عن مكنون عمله ، وكذلك وجه الكافر وذلك قوله : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ.)
وقال بعضهم : ترى على وجوههم هيبة ؛ لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم.
قال ابن عطاء : ترى عليهم خلع الأنوار لائحة.
وقال عبد العزيز المكي : ليست هي النحولة ، وهي الصفوة ، لكنه نور يظهر على وجوه العابدين ، يبدو من باطنهم على ظاهرهم ، يتبين ذلك للمؤمنين ، ولو كان ذلك في زنجي أو حبشي ، والله أعلم.