سورة المطفّفين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١))
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) : هذا وعيد للمطفّفين كلام الأولياء في مجالستهم يسرقونه ويتبعونه في سوق سالوسهم ، فويل الحرمان له من البلوغ إلى درجاتهم ، وتفتضح عنده الخلق ، وأيضا هذا خطاب مع النفس الأمّارة تسترق من ديوان حقائق القلوب حظوظ الأرواح المشاهدة غيب الحق ، وتبدلها بهواجسها الشيطانية.
قال أبو عثمان : حقيقة هذه الآية والله أعلم عندي : هو من أحسن العبادة على رؤية الناس ، ويمشي إذا خلا.
قال الله : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) (٤) أي : أنهم لا بدّ لهم من المحاسبة ، والرجوع إليّ بأعمالهم.
قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) : وصف الله قلوب المخالفين بالقسوة والرين ، وذلك ميراث متابعتهم شهوات أنفسهم ، والشهوة إذا غلبت على القلب أطبقت القلب بغاشية الغفلة ، فصار القلب محجوبا من أنوار الذكر ، مملوءا من الخطرات المذمومة التي تحجبه عن مشاهدة الغيب ، فمن كان هاهنا من الغيب ورؤية الحق محجوبا فزاد حجابه عند يوم القيامة ؛ لذلك وصفهم الله بقوله سبحانه وتعالى :
(كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١) ، حجبهم عن الله ظنونهم وحسبانهم
__________________
(١) لا يقتضي الحجاب مطلقا ، فإنه يقيّد بيوم القيامة ، فقد ينكشف عنهم عماهم ، وإن كان ذلك دون ـ