قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) : شهد الحق على أسرار الخلق في الأزل قبل إيجادها ، لا يعزب عن علمه ذرة من العرش إلى الثرى ، والإنسان لا يعرف ما أعطاه الله من نعمة بالحقيقة ، وإنه لكفور ؛ إذ لا يعرف منحه.
قال القاسم : هو الذي يشهد بأحواله وعلى أحواله ؛ لأن الحق تولّاها في أزليته قبل أن يخلقها ، وسيّرها بتقديره ، وأخرجها إلى الكون بتدبيره ، وفي عرصة القيامة يسوقها إلى المحشر كما ساقها في الأزل والأبد دون غيره ، فانطلق ما شاء بما شاء في يسيره في الدارين ، وأخرس ما شاء عما شاء بتدبيره.
قال الواسطي في قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) : بعد منّه من الطاعات ، وينسى ما منّ الله به عليه من الكرامات.
سورة القارعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١))
(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ) : «القارعة» : ساعة كشف جمال العظمة الذي يفنى الحدثان في سطواتها ؛ لذلك قال : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) ، ذلك من وصول قوارعات قهر جبروته.
قوله : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) (١) : فمن ثقلت موازين قلبه بمعرفة الله وتوفيقه
__________________
(١) اعلم أن ثقلة الموازين عبارة عن : وجود الأعمال الرزينة لها التي لها وزن عند الله ، وقدر دلّ عليه العيشة الراضية ؛ لأن عيشة الرجل في الجنات ؛ إنما هي بأعماله ؛ لأن درجاتها ونعيمها مقسومة بقدرها ؛ فهو إنما يدخل بثقل الموازين جنة الأعمال ، وخفة الموازين عبارة عن : عدم الأعمال المقبولة دلّ عليه قوله : فأمه هاوية ؛ لأن الله لا يقيم لمن خفت موازينه يوم القيامة وزنا ومقدارا ؛ فيهوى في النار التي هي أصله ؛ لأن كل ظلمة ، وظلماني ؛ إنما هو من النار ، كما أن كل نور ، ونوراني ؛ إنما هو من الجنة ، وفيه إشارة إلى أن ـ