عالم الأمر والحكم ؛ لأن الحدوثية تزول عن موازاة القدم ، وأيضا أقسم بسير هذه الأرواح العاشقة في طرقات العلوم المجهولة ، فتستفيد منها ما يكون بخلاف العلوم الرسومية.
قوله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦) أي : أين تمضون مما بيّنت لكم في كتابي من طرق السعادة والمواصلة والمداناة وكشف المشاهدات ، تذهبون من هذا الطريق المبارك ، وتهلكون في أودية الظنون والحسبان ، هذا رشد ، فاسلكوا مسلك الرضا بالطاعة ، وسيروا في ميادين الموافقة.
وقال الواسطي : الخلق كلهم مقبوضون تحت رقّ الملك ، محجوبون لعزة الملك على قوله : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦) ، وهو الذي يطمس الرسوم ، ويعمى الفهوم ، ويترك الأجسام قاعا صفصفا ؛ لأنه لا يلحق الإشارة ، فإن الكون أقل خطرا وأضعف أثرا من أن يكون لها سبيل إلى تحقيق الإشارة ، فأين تذهبون من ضعف إلى ضعف ، ارجعوا إلى فسحة الربوبية ؛ ليستقر بكم القرار.
قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) : أغرق الحق مشيئة الحدثان في بحار مشيئة الأزلية ؛ إذ مشيئة الخلق صادرة من مشيئة الأزل ، هو منزّه عن أن يكون في مشيئته مشيئة غير مشيئة الأزلية ، فإذا سقطت مشيئتة الحدث ارتفعت الاختيارات والتدابير ، واستنارت طرق الرضا والتوكل والتفويض ، وبانت حقائق الفردانية ؛ إذ الحدثان اضمحلت في جناب عزة الرحمن.
قال الواسطي : أعجزك في جميع أوصافك وصفاتك ، فلا تشاء إلا بمشيئته ، ولا تعمل إلا بقوته ، ولا تطيع إلا بفضله ، ولا تعصي إلا بخذلانه ، فماذا يبقى لك ، وبماذا تفتخر من أفعالك ، وليس من فعلك شيء.
سورة الانفطار
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢))
(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) : إذا ظهر سلطان كبريائه تنشق سماوات القلوب ، وتتناثر