وجلالنا ، وأنت سيدهم وإمامهم ، تعرّفهم سبل وصولنا ، وذلك قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، ثم أضاف ذلك السبيل بنعت الخصوصية إلى نفسه ، وقال : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : صراطك المستقيم هو طريق الله الذي مهّد للعارفين والمشتاقين ؛ ليسلكوا فيه إليه بنوره وهدايته ، ثم وصف نفسه بأنه مالك الأعيان من العرش إلى الثرى حتى طابت أرواح الصديقين بوحدانيته ؛ إذ لا منصرف إلا هو ، ولا مصرف من جميع الوجوه إلا ساحة كبريائه وعظمته ، وذلك قوله : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) : تعود إليه أمور الخلائق من الحكم والقضاء والقدر والمشيئة والفعل والقدرة كما بدأ منه.
قال الواسطي : أظهر الأرواح من بين جماله وجلاله مكسوة بهاتين الكسوتين ، لولا أنه سترها لسجد لها كل ما أظهر من الكونين ، فمن رداه برداء الجمال ، فلا شيء أجمل من كونه في ستره يظهر منه كل درك وحذاقة وفطنة ، ومن رداه برداء الحلال وقعت الهيبة على شاهده ، وهابه كل من لقيه ، ولصحة الأرواح علامات ثلاث : صحة الثقة ، والتحقيق بالأخلاق ، والتخطي في طريق الآداب.
وقال ابن عطاء : الكتاب ما كتبت على خلقي من السعادة والشقاوة ، والإيمان ما قسمت للخلق من القربة.
قال القاسم في قوله : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) : لأنه مبتدأ كل شيء وإليه منتهى كل شيء ، فمن كان منه وله فهو الساعة به.
قال سهل في قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : تدعو إلى ربك بنور هداية ربك.
وقال بعضهم : دعونا أقواما في الأزل فأجابوا ، فأنت تهديم إلينا ، وتدلهم علينا.
سورة الزخرف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً