وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢))
(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢) أي : بحياتي منك وحياتك بحياتي ، ومحبتي لك ومحبتك لي ، وبهذا الكتاب المبارك الظاهر بنوره وبرهانه في صدرك ولسانك ، وصدور العارفين المبرهن بيانه للمؤمنين ، المبين لطائفه لقلوب الصديقين ، إن هذا القرآن أنزلته على قلبك ، وبلسانك الفصيح ؛ ليعرفه كل مؤمن صادق ، ويعقل به طريق العبودية وحقوق الربوبية.
قال سهل : بيّن فيه الهدى من الضلالة ، والخير من الشرّ ، وبيّن فيه سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء.
قال الأستاذ : الحاء يدل على حياته ، والميم على مجده ، وهذا قسم ، ومعناه : وحياتي وملكي وهذا القرآن المبين إن الذي أخبرت أن رحمتي لعبادي المؤمنين حقّ وصدق ، ثم وصف القرآن بأنه ليس بمخلوق ، وأنه صفته الأزلية التي هي قائمة بذاته أزلا وأبدا بقوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) أي : إنه صفتي ، كان في ذاتي منزّها عن التغاير والافتراق ؛ إذ هما من صفات الحدث ، وأم الكتاب عبارة عن ذات القدم ؛ لأنه أصل جميع الصفات لدينا ، معناه ما ذكرنا أنه في أم الكتاب لعليّ ، علا من أن يدركه أحد بالحقيقة ، ممتنع من انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، حكيم محكم مبين.
قال سهل : أم الكتب هو اللوح المحفوظ أي : رفيع مستول على سائر الكتب.
قال جعفر : عليّ عن درك العباد وما يتوهمون ، حكيم فيما دبّر وأنشأ وقدّر.
(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣)) (١).
قوله تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) : أجلّ نعمة الله على
__________________
(١) أي : مطيعين ، وكم سخّر لهم الفلك في البحر ، والدوابّ للركوب ، وأعظم عليهم المنة بذلك فكذلك سهّل للمؤمنين مركب التوفيق فحملهم عليه إلى بساط الطاعة ، وسهّل للمريدين مركب الإرادة فحملهم عليه إلى عرصات الجود ، وسهّل للعارفين مركب الهمم فأناخوا بعقوة العزّة وعند ذلك محطّ الكافة ؛ إذ لم تخرق سرادفات العزّة همّة مخلوق سواء كان ملكا مقرّبا أو نبيّا مرسلا أو وليّا مكرّما فعند سطوات العزّة يتلاشى كلّ مخلوق ، ويقف وراءها كلّ محدث مسبوق ، القشيري (٧ / ٢١٠).