الفراق وطريان النفاق بعد حقيقة الاشتياق ، وأقروا بأن ذلك من لطفه الخاص بلا امتحان بقوله : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) ، ثم بينوا ألا يلحقهم فيما وجدوا من نعم الله نصب المعاملات ولا لغوب الطبعيات.
قال النصرآبادي : ما كان حزنهم إلا تدبير أحوالهم وسياسة أنفسهم ، فلما نجوا منها حمدوا وقالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.)
وقال أبو سعيد الخراز : أهل المعرفة في الدنيا كأهل الجنة في الآخرة ، قال الله حاكيا عن أهل الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ، وإنما أحزانهم للاشتغال بالأعراض ، فتركوا الدنيا في الدنيا ، فتنعموا ، وعاشوا في الدنيا بعيش الجنانين.
قال الواسطي في قوله : (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) : شكر الله العبد رضاه بما أجرى عليه ، وشكر العبد ربه أن يرى النعمة من الله ابتداء وانتهاء.
قال أبو بكر التيمي : إن كانت أعمالك مكتسبة فبفضل الله عملت ، والفضل غير مكتسب ، وإن كان مكتسبا لم يسمّ فضلا ؛ ألا ترى الله يقول : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) ، وافهم أن ذلك الحزن الذي نجا القوم منه وحمدوا الله بإخراجهم عنه هو الحزن الذي صدر من رؤية قهر الأزل ، فلما فروا من الله إلى الله فازوا من قهره بلطفه ، ولا يبقى لهم استتار ، بل يبقون في المشاهدة بلا حجاب وامتحان واضطراب.
قال ابن عطاء : حزن إبهام العاقبة.
سورة يس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦))
(يس) (١) : افهم أن حروف يس كحروف الطواسين وحروف الحواميم وغيرها من حروف التهجي ، الياء إشارة إلى يد القدرة الأزلية ، والسين إلى سنا الربوبية ، أقسم سبحانه بثلاث صفات : بالقدرة ، وسنا الربوبية ، والكلام الأزلي بقوله : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، مخاطبة المواجهة بعد شرف القسم بنفسه وصفاته ؛ لأن المقسم به قديم ، فأقسم بالقدم لا بشيء خرج من العدم لشرائفه وفضائله.
قيل : الياء يشير إلى يوم الميثاق ، والسين يشير إلى سره مع الأحباب ، فقال : وبحق يوم