وتشبيههم وخيالهم وشهواتهم وغفلاتهم.
قال ابن عطاء في قوله : (كَلَّا بَلْ رانَ) : الطاعة على الطاعة حتى يحجب قلبه عن مشاهدة المنة ؛ لأن العجب والرياء بالطاعة يورثان نسيان المنة وترك الحرمة.
قال الواسطي : الكافر في حجاب لا يرونه ، والمؤمن في حجاب يرونه في وقت دون وقت ، ولا حجاب له غيره ، وليس يسعه سواه ما اتصلت بشرية بربوبية قط ، ولا فارقت عنه.
قال سهل : حجبتهم عن ربّهم قسوة قلوبهم في العاجل ، وما سبق لهم من الشقاوة في الأزل ، فلم يصلحوا لبساط القرب والمشاهدة ، فأبعدوا وحجبوا ، والحجاب هو الغاية في البعد والطرد.
قال ابن عطاء : الحجاب حجابان : حجاب بعد ، وحجاب أبعاد ، فحجاب البعد : لا تقريب فيه أبدا ، وحجاب الأبعاد : يؤدب ، ثم يقرب كآدم عليهالسلام.
قوله تعالى : (كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢١) : كتاب الأبرار كتاب مرقوم برقم الله ، رقّمه بسعادتهم الأزلية ، وولايتهم الأبدية ، وذلك الكتاب عنده لا يطّلع عليه إلا المقربون المخاطبون بحديثه وكلامه ، المكاشفون لهم حقائق الغيبة.
قال أبو عثمان المغربي : «الكتاب المرقوم» : هو ما يجري الله على جوارحك من الخير والشر ، رقمها بذلك الرقم ، وهو لا يخالف ما رقم به ، وذلك الرقم معلّق بالقضاء والقدر والقدرة بمشيئته عليه ، ولا رجوع له عن ذلك ، ولا حيلة له فيه ، فهو في ذلك معذور في الظاهر غير معذور في الحقيقة ، هذا لعوام الخلق ، وأما للخواص والأولياء وأهل الحقائق فإنه رقم الله على كل شيء أوجده ، لم يشرف على ذلك الرقم إلا المقرّبون ؛ فهم أهل الإشراف ، فمن شاهد ذلك الرقم من المقرّبين عرف صاحبه بما رقم به من الولاية والعداوة ، فيخبر عنه وهو الإشراف والفراسة ، كما كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أخبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كان في الأمم متكلمون فإن يك في أمّتي فعمر» (١) أي : ممن أشرف على حقائق الرقم ، وعلى معاني
__________________
ـ انكشاف بصائر أهل النعيم ؛ لأن محلّ أهل النعيم ؛ وهو الجنة ، وكذا أبدانهم لطيف قابل لكل نور ذاتي ، ونعيم صفاتي ، وأمّا محلّ أهل الجحيم ؛ وهو النار ، وكذا أجسامهم ، فكثيف ليس بمقابل لذلك ، فليس لهم نعيم صفاتي أصلا من المطعم ، والمشرب ، والمنكح ونحوها ، وأمّا النعيم الذاتي فبقدر تصفية ذاتهم وصفاتهم ؛ وإنما : قلنا النعيم الذاتي من طريق المشاكلة ، وإلا فلا نعيم هناك أصلا ؛ لأنه عالم الفناء عن الحسّ ، وليس عنده ذوق ، وبرد وسلام فاعرفه ، واجتهد أن تكون من الذين ابيضّت وجوههم في جميع العوالم ، فإن النور الدائم لا يلحقه الظلمة.
(١) رواه أحمد (٦ / ٥٥) ، والديلمي في الفردوس (٣ / ٢٧٨).