والعاصين ، ومن ركّبه على صورة الولاية ليس كمن صوّره على صورة العداوة.
قال الحسين : من قصده بنفسه صرف عنه حظه ، ومن قصده به فهو المحجوب عن نفسه ؛ لأنه يقول : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨) : في أي حالة ما شاء أنشأك ؛ لأنه خلق آدم بألطاف بره ، وباشره بإعلاء قدره ، وأظهر الأرواح بين جلاله وجماله ، وخصّه بنفخ الروح فيه ، وكساه كسوة ، لولا أنه سترها لسجد لها كل ما أظهر من الكون ، فمن راداه برداء الجمال فلا شيء أجمل من كونه ، ومن راداه برداء الجلال أوقعه الهيبة على شاهد.
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١٤) : الأبرار في نعيم الوصال ، والفجّار في جحيم الفراق.
قال جعفر : «النعيم» : المعرفة ، و «المشاهدة» ، و «الجحيم» : النفوس ، فإنّ لها نيرانا تفقد.
قال ابن الورد : «النعيم» : الذكر والمعرفة ، و «الجحيم» : المعصية والسكون إلى النفس.
وقال الخواص : طاب النعيم إذا كان منه ، وطاب الجحيم إذا كان به.
قوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (١٩) : دعا الله بهذه الآية العباد إلى الإقبال عليه بالكلية بنعت ترك ما سواه ، فإن الملك كلّه لله في الدنيا والآخرة ، (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.)
قال الواسطي : ذهبت الرسالات والكلمات والسعايات ، فمن كانت صفته في الدنيا كذلك فقد أفرد التوحيد.
وقال أيضا : الأمر اليوم ويومئذ ولم يزل ولا يزال لله ؛ ولكن الغيب بحقيقته لا يشاهده إلا الأكابر من الأولياء ، وهذا خطاب العام إذا شاهدوا الغيب تيقّنوا أن الأمر كلّه لله ، فأما أهل المعرفة فمشاهدتهم للأمر اليوم كمشاهدتهم يومئذ ، لا تزيدهم مشاهدة الغيب عيانا على مشاهدتهم له تصديقا ، كقول عامر بن عبد العيس : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، وكحارثة أخبر لحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم قوله : «كأنّي أنظر وكأنّي وكأنّي» (١).
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ٢٧٣).