مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) : كان بنفسه أبلغ الهداية للخلق ؛ فإنه مصارف آياته وبرهانه.
قال الله : (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ، ومعه نور الصفة ؛ لأنه كان قلبه مشكاة نور القرآن ، قال الله : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) ، وقال : (نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) ، ودينه بيان معرفة الله والآداب في حضرته ، وبهذه الصفة شهد الله أنه أرسله بهذه الأوصاف ، وأثبت رسالته بشهادته بقوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) (١) : شهادته أزلية شهد على اصطفائيته في الأزل ، ثم وصف أصحابه وأحبائه ومتابعيه إلى يوم القيامة باختصاصات شريفة وأخلاق كريمة وعلامات صحيحة وآداب جميلة بقوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) أي : معه في الأزل باصطفائية الولاية بنعت الأرواح ، لا برسم الأشباح ، ومن خاصية صفتهم أنهم أهل الهيبة والغلبة على أعداء الله والرحمة والكرم مع أولياء الله ، قال الله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) : ثم زاد في وصفهم بقوله : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) : راكعين على بساط العبودية من رؤية أنوار العظمة ، ساجدين على بساط الحرمة من رؤية الجمال ، يطلبون مزيد كشف الذات ، والدنو والوصال والبقاء مع بقائه بغير العتاب والحجاب ، وهذا محل الرضوان الأكبر بقوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) ، ثم وصف وجوههم أن يتلألأ منها أنوار مشاهدته التي انكشفت لهم في السجود حين خضعوا في ملكوته من رؤية عظائم جبروته
__________________
(١) واعلم أنه قد اجتمع حروف المعجم التسعة والعشرون في كل من الآيتين المذكورتين ، وأول الحروف في الآية الأولى : الثاء المثلثة في ثم ، وآخرها : الصاد المهملة في صدوركم ، وأولها في الثانية : الميم في محمد ، وآخرها : الصاد أيضا في الصالحات ، وليس في القرآن آية حوت الحروف كلها غيرهما ، ومن دعا الله تعالى بهما ؛ استجيب له. والمراد : من قرأهما ، ودعا عندهما ؛ استجيب له ؛ لأنهما لجمعهما الحروف كلها ؛ كانت بمنزلة القرآن كله ، وقد صحّ أن الدعاء مستجاب ، مستجاب عند ختم القرآن ، ولمّا كانت هذه الحروف مما أنزله الله تعالى على آدم عليهالسلام ، وكان آدم قد تكلّم بسبعمائة ألف لغة على ما جاء في بعض الروايات : كان من تكلّم بتلك الحروف ؛ كمن تكلّم بتلك اللغات كلها ؛ لأن كلّا منها مشتملة على تلك الحروف ، وقد ضم إليها الحروف الأربعة الفارسية التي هي : الباء ، والجيم ، والزاي ، والكاف المعجمة التي تكلّم بها بعض القبائل ؛ ولذا كانت اللغة الفارسية ملحقة باللغة العربية ؛ فجعلت كل منهما لسان أهل الجنة.