كَلِمَةَ التَّقْوى) : سكينة الرسول كشف القدس ، وسكينتهم نزول قلوبهم منازل الأنس ، وكلمة التقوى كلمة الله التي سبقت في الأزل أنهم أهل السعادة لا أهل الشقاوة ، وتلك الكلمة بقيت بنعوتها وأنوارها في قلوبهم ، (وَكانُوا أَحَقَّ بِها) ؛ لأنهم سابقون بها في الأزل من غيرهم الذين حجبهم الله من رؤية نورها ، وكانوا أهل الكلمة من حيث الاصطفائية ؛ إذ نزلت عند لب التوحيد من سماء التفريد على أغصان ورد قلوبهم ، فترنمت بألسنتهم الصادقة من بطنان أفئدتهم بكلمة التقديس والتوحيد.
قال أبو عثمان : كلمة التقوى كلمة اليقين ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ألزمها الله السعداء من أوليائه المؤمنين ، وكانوا أحق بها في علم الله ؛ إذ خلقهم لها وخلق الجنة لأهلها.
قال الواسطي : كلمة التقوى صيانة النفس عن المطالع ظاهرا وباطنا.
قال الجنيد في قوله : (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) : من أدركته عناية السبق في الأزل جرت عليه عيون المواصلة ، وهو أحق بها ؛ لما سبق إليه من كرامته الأول.
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧))
قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) : إشارة الآية مع المشتاقين إلى مشاهدة الحق بأنهم يدخلون حرم الربوبية آمنين عن جريان العبودية عليهم ، آمنين من ذل الحجاب بعد كشف النقاب ، والاستتار وقع على المشيئة الأزلية السابقة بحسن العناية لهم ، وفي نفس الآية أنه لو يريد أن يلبسهم وصف الصمدية حتى لا يفنوا في الوحدانية لقدر ، وهو هكذا يفعل ، لكن رمز الاستتار يورث هيبة الحق ؛ إذ صار عروس القدر غير منكشف لأهل الحدث ، أدّب الجمهور برؤية الله مع رؤية القدر السابق ؛ حتى لا يسقط عنهم شروط الهيبة والمراقبة.
سئل بن عبد الله : ما هذا الاستتار من الله؟ قال : تأكيدا في الافتقار إليه ، وتأديبا لعباده في كل حال ووقت تنبيها أن الحق إذا استثنى مع كمال علمه ألا يجوز له الحكم من غير استثناء مع قصور علمه.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ