أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤))
قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ـ رضي الله عنهم ـ في الأزل وسابق علم القدم ، ويبقى رضاه إلى أبد الأبد ؛ لأن رضاه صفته الأزليّة الباقية الأبدية ، لا يتغير بتغير الحدثان ، ولا بالوقت والزمان ، ولا بالطاعة والعصيان ، فإذا هم في اصطفائيته باقون إلى أبد الأبد ، لا يسقطون من درجاتهم بالزلات ولا بالبشرية والشهوات ؛ لأن أهل الرضا محروسون برعايته ، لا تجري عليهم نعوت أهل البعد ، وصاروا متصفين بوصف رضاه ، فرضوا عنه كما رضي عنهم ، قال الله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ، وهذا بعد قذف أنوار الأنس في قلوبهم بقوله : (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ.)
قال ابن عطاء : رضي الله عنهم فأرضاهم ، وأوصلهم إلى مقام الرضا واليقين والطمأنينة ، فأنزل الله السكينة عليهم ؛ ليسكن قلوبهم إليه.
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥))
قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) : انظر كيف شفقة الله على المؤمنين الذين يراقبون الله في السراء والضراء ويرضون ببلائه ، كيف حارسهم عن الخطرات ، وكيف أخفاهم بستره عن صدمات قهره ، وكيف جعلهم في كنفه حتى لا يطّلع عليهم أحد ، وكيف يدفع ببركتهم البلاء عن غيرهم ، وفي الآية رمز إعلام ورعاية الكبرياء للمريدين.
قال سهل : المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه وقلبه ، يفتش أحواله ، ويراقب أوقاته ، فيرى زيادته من نقصانه ، فيشكر عند رؤية الزيادة ، ويتضرع ويدعو عند النقصان ، هؤلاء الذين يدفع الله بهم البلاء عن أهل الأرض ، والمؤمن من لا يكون متهاونا بأدنى التقصير ؛ فإن التهاون بالقليل يستجلب الكثير.
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦))
قوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ