سره لحظة عن السير في ميادين الأزل والأبد (١) ، فخوّفهم من ذلك ؛ فإن تشويش خاطره صلىاللهعليهوسلم سبب بطلان أعمالكم : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ، فإن من العرش إلى الثرى لا يزن عند خاطره ذرة ، واجتماع خاطر الأنبياء والأولياء لمحة أحبّ إلى الله من أعمال الثقلين ، وفيه حفظ حرمة رسول الله ، وتأديب المريدين بين يدي أولياء الله.
قال ابن عطاء : زجر عن الأذى ؛ لئلا يتخطى أحد إلى ما فوقه من ترك الحرمة.
وقال سهل : لا تخاطبوه إلا مستفهمين.
قال الأستاذ : أمرهم بحفظ حرمته ومراعاة الأدب في خدمته وصحبته ، ثم وصف الله المتأدبين بآداب الله أنهم أهل التقوى الذي هو نور من الله في قلوبهم ، فقدّس سرائرهم من العجب والخطرات المذمومة ، وأنهم ينظرون بذلك النور عظم حرمات حبيبه صلىاللهعليهوسلم ، وما شرفه الله به من المنازل السنية والدرجات العلية ، بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) ، ثم بيّن أن لهم مغفرة بأنهم مستورون عن أعين الشياطين ، محفوظون من مكائدهم بما منّ الله عليهم من رعايته وعنايته ، وكشف مشاهدته بقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٣).
قال الحسين : من امتحن الله قلبه بالتقوى كان شعاره القرآن ، ودثاره الإيمان ، وسراجه التفكر ، وطيبه التقوى ، وطهارته التوبة ، ونظافته الحلال ، وزينته الورع ، وعلمه الآخرة ، وشغله بالله ، ومقامه مع الله ، وصومه إلى الممات ، وإفطاره من الجنة ، وجمعه الحسنات وكثرة الإخلاص ، وصمته المراقبة ونظره المشاهدة.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦))
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) : شكا الله عن ترك آداب بعضهم في صحبة رسوله ، وبيّن أن الصبر في حفظ حرمته سبب نيل درجاتهم في الدنيا والآخرة.
__________________
(١) شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، بعد النهي عن التجاوز في نفس القول والفعل ، وإعادة النداء مع قرب العهد ؛ للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه ، والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه ؛ أي : لا تبلغوا بأصواتكم وراء حدّ يبلغه صوته صلىاللهعليهوسلم ، بل يكون كلامه عاليا لكلامكم ، وجهره باهرا لجهركم ، حتى تكون مزيّته عليكم لائحة ، وسابقته لديكم واضحة. البحر المديد (٦ / ١٠١).