فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢))
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (١) : وصف الله ظهور أفعاله العظام يوم يبرز أنوار عظمته ويبدي سطوات عزته ، فتغشى القلوب والأبصار ، وذللها تحت أنوار كبريائه ، وقهر جباريته ، قال تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) ، ثم وصف وجوه المتكبرين الذين اتقوا من عبادة الله بالإخلاص ، ومن محبة أوليائه ، وتقشّفوا على ظاهر العبادة بالرياء ، والسمعة بالذلة والخسارة ، بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٣).
قال بعضهم : خشوع الظاهر نصب الأبدان لا يقربان إلى الله ، بل يقطعان عنه ، ألا تراه يقول : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ)! وإنما يقرب منه سعادة الأزل ، وخشوع السر من هيبة الله ، وهو الذي يمنع صاحبه من جميع المخالفات ، ثم وصف وجوه أوليائه بالنعومة والنضارة بما نالت من مشاهدة ربها ، بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ) : نعومتها بما نوّرها الحق من ظهور أنوار جماله لها ، راضية لما سعت من بذل وجودها لربها حيث صارت مقبولة برضا الأزل ، مقرونة بسعادة الأزل والأبد.
قال الحسين : شاهدت بمشاهدته حقيقة عين الحق.
قال الجنيد : جعل الله الطاعة الخدمة على الأشباح ، وخصّ المعرفة بالأرواح.
قوله تعالى : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (١٠) : في جنان قربه التي علت أوهام المخلوقين.
قيل : في كوامن القدس مقربة.
قوله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (١١) : آذان المقربين والعارفين مشغولة بسماع كلام الحق ، لا يقع فيها كلام غيره بالحقيقة.
قال بعضهم : لاستغراقه في سماع الحق.
قوله تعالى : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) (١٢) : عيون أنوار الصفات جارية في جنان قلوبهم.
قال الحريري : تجري بأربابها إلى معادن الأنوار.
قال الحسين : جريان الأحوال عليه يجري به عين إلى عين ، حتى يحصله في عين العين.
(فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا