إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦))
قوله تعالى : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣) : سرر أرواحهم مرتفعة من الأزل إلى الأبد ، لا تنحطّ في المقاومات ، ولا في المداناة ، بل سيّارة من الذات إلى الصفات ، ومن الصفات إلى الذات.
قال الخراز : هي سرائر رفعت عن النظر إلى الأعواض والأكوان.
قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) أي : أفلا ينظرون إلى أحوال الأرواح وهي حاملة الأبدان ، وإلى سماء القلوب التي تبرز فيها أنجم الغيوب كيف رفعت عن استراق أسماع الخواطر والهواجس ، وإلى جبال العقول التي تستقيم بها أرض النفوس ، وإلى أرض النفوس التي بسطت مهاد العبودية مراكب الأنوار الربوبية ، انظر كيف حالهم إلى رؤية الأفعال ، ولو كانوا على محل تحقيق المعارف والكواشف لكانوا مخاطبين بما خاطب حبيبه صلىاللهعليهوسلم بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ.)
قال بعضهم : تعرّف إلى العوام بأفعاله ، بقوله : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧) ، وتعرّف إلى الخواص بصفاته ، بقوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، وتعرّف إلى الأنبياء بنفسه ، بقوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) ، وتعرّف إلى نبيّنا صلىاللهعليهوسلم بأخص التعريف ، بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ)
قال بعضهم في قوله : (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (١٩) : إشارة إلى قلوب العارفين كيف طاقت حمل المعرفة.
قال بعضهم في قوله : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) (١٨) : أى إلى الأرواح كيف تسمو بأربابها إلى محل القدس.
وقيل : إلى الأرواح كيف حالت في الغيوب.
قال الحسين : إلى الأسرار كيف أشرقت بالمكاشفات.
قال بعضهم في قوله : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (٢٠) : إلى العقلاء كيف احتملوا مؤنة الجهال.
قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦) : انظر كيف نفضّل بعد الوعيد بأن جعل إلى نفسه مأواهم ومماتهم ، وتكفّل بنفسه حسابهم ، فينبغي أن يعينوا بهذين الفضلين أطيب العيش في الدارين ، ويطيروا من الفرح بهذين الخطابين.