أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠))
(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (١) : أقسم الله سبحانه بمكة التي فيها بيته الذي فيه آيات شروق أنوار صفاته فيها ، لمشاهدي الحضرة ، وطلّاب القدرة ، أقسم مما يبدو منها من أنوار تلك الأسرار.
قال الواسطي : أي : يجلّونك بهذا ، أقسم فيك أعظم البلد ، كما سماها طابة طابت به وبمكانه.
قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤) أي : في استواء العقل ، واعتدال الحسن.
قال ابن عطاء : في ظلمة وجهل.
قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٩) : عين الروح ، وعين القلب ، وعين السر التي تبصر بها عجائب المشاهدات والمكاشفات.
قال ابن عطاء : عين في رأسه يبصر بها آثار الصنع ، وعين في قلبه يرى بها مواقع الغيب.
قوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (١٠) : طريق الشريعة ، وطريق المعرفة ، والطريق إلى الصفات ، والطريق إلى الذات.
(فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))
قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) : العقبة مقام المجاهدة ، ومحاربة النفس الأمّارة التي تحارب صاحبها بآلة قهر الحق ، واقتحامها لا يكون إلا بفكّ الرقبة ، وفكّ الرقبة عن المنة والأذيّة ، وإطعام الطعام في تجوّع النفس ، والحاجة إلى إيثار الله.
قال القاسم : العقبة نفسك ، ألا ترى إلى قوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ) ، وهو أن تعتق نفسك من رقّ الخلق ، وتشغلها بعبودية ربك.
قال بعضهم : تلك العقبة هي مجانبة الاختيار ، والرضا بتصاريف الأقدار.
قال الواسطي : فكّ الرقاب من أربعة أشياء : من نفوسهم ، وأفعالهم ، ورؤية الفضل ، وطلب القربة.