قال الحسين بن الفضل : برأ كل نبي عمن عصاه من أمته إلا النبي محمد صلىاللهعليهوسلم لشرف محله ؛ فقال : (فَإِنْ عَصَوْكَ) أي : إن خالفوك بعد الإقرار بارتكاب محرم ؛ فقل : إني بريء من أعمالكم لا بريء منكم ؛ فإن لك محل الشفاعة ، والشفاعة تزيل عنهم ظلمات المعاصي.
وقال الجنيد : التوكل أن تقبل بالكلية على ربك ، وتعرض بالكلية عما دونه ؛ فإن إليه حاجتك في الدارين.
ثم بيّن سبحانه مقام شهود نبيه صلىاللهعليهوسلم في عين الحق بنعت الرعاية والحفظ ، أمره بالتوكل عليه.
ثم اعلم إنك إذا توكلت عليّ ، وفوضت أمرك إليّ ؛ فأنا أربيك بنظر عنايتي ثم أعلمه مقام الإحسان والمراقبة بقوله : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) (٢١٨) أي : توكل على من يراك حين تقوم بنعت الإقبال أي : مشاهدته والإعراض عما دونه.
قال رويم : تقوم إليه بالقعود عن الكل ، ثم زاد ذكر إحاطة علمه به فقال الله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (٢١٩) أي : الذي يراك في القيام بنعت الاستقامة في المشاهدة ، وفي السجود بنعت الفناء في العظمة والكبرياء بين أهل شهود عظمتي وأزليتي وأبديتي ، وأيضا الذي يرى روحك في مشاهد عالم الملكوت بين الساجدين من المقربين.
قال الواسطي : إثبات رؤية الكون على الأزل ، قال الله تعالى : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) (٢١٨) أثبت للرؤية في الفقد والوجود ، وتقلبه في الساجدين في أصلاب الأنبياء والمرسلين (١).
وقال بعضهم : تقلب وصفك على ألسنة الأنبياء والأولياء.
ثم أكمل حقيقة الرعاية بقوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٢٠) يسمع خفيات نداء المشتاقين من قلوبهم عليهم بآلام أرواحهم من داء المحبة فيجازيهم بكشف جماله ولطائف خطابه.
__________________
(١) في التأويلات النجمية : أي يرى قصدك ونيتك وعزيمتك عند قيامك للأمور كلها وقد اقتطعه بهذه الآية عن شهود الخلق ، فإن من علم أنه بمشهد الحق راعى دقائق حالاته وخفايا أحواله مع الحق وبقوله : (وتقلبك في الساجدين) هون عليه معاناة مشاق العبادات لإخباره برؤيته له ولا مشقة لمن يعلم أنه بمرأى من مولاه ومحبوبه وإن حمل الجبال الرواسي يهون لمن جملها على شعرة من جفن عينه على مشاهدة ربه ، ويقال كنت بمرأى منا حين تقلبك في عالم الأرواح في الساجدين بأن خلقنا روح كل ساجد من روحك أنه هو السميع في الأزل مقالتك «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» لأن أرواحهم خلقت من روحك العليم باستحقاقك لهذه الكرامة انتهى.