من الواجدين والمتحققين بسماع الخطاب من العارفين ، ومن هذا السماع انعزلت أسماع العموم ، قال الله سبحانه : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ.)
قال ابن عطاء : لا يسمعون ولا يفهمون كما أخبر الله عن قوم أنهم ينظرون ولا يرون ، كذلك هؤلاء يسمعون ولا يفهمون ؛ لأنهم (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) حرموا فهم معاني السماع.
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦))
قوله : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢١٥) بيّن أن حقيقة العامل ما يكون علي الأقرب والمواساة للأبعد ؛ لأن الأقرب يكون في منازل المهابة والأمر عليه أشد أي : أخبر الأقربين من عظيم جلالي وعزتي وسطوات كبريائي وعظمتي ، فإني أشدد على الأقرب ما أشدد على الأبعد وواس الضعفاء ؛ فإنهم لا يحتملون أثقال حقائق الأمور ليحتملوا بك ما يكلفهم ، وأيضا أي : خوّف أهل العناد وراع أهل المراد ، أمر بالتسليط على المنكرين والعاندين ، وأمر بالتواضع وخفض الجناح للمتواضعين والعارفين.
قال سهل : خوف الأقرب منك ، واخفض جناحك للأبعدين ، دلهم علينا بألطف الدلالة ، وأخبرهم إلى جواد كريم.
قال ابن عطاء في قوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) : ليّن جانبك ؛ فإنهم على حدّ الترسم بالعبادة لا التحقق بها ، والمتوثب على الله أشد من قارئ ألبس قميص النسك.
ثم أعلمه وأمره بالإعراض عن المعاندين بقوله : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢١٦) أي : لا تراع قربتهم منك ، وراع ما أمرناك ، ولا تخف من خذلانهم ، وارجع إليّ بنعت تفويض أمرك إليّ فذلك قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٢١٧) أي : أقبل على العزيز ليعزك على الكل ويرحمك بمواصلتك وكشف اللقاء لك.