(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي : هذا تنزيل الكتاب ، وهو القرآن ، وهو وصفه القديم ، بدا منه بنعت التجلي ، وأنزل من عنده للأمر ولأحكام ظهوره بنعت الصفة للخصوص وبنعت النزول للعموم ، هو العزيز من حيث لا تفارق صفته عن ذاته ، وهو الحكيم من حيث منع عباده التمتع بكشفه وإنزاله رحمة للعموم والخصوص.
قال الأستاذ : كتاب عزيز نزل من ربّ عزيز على عبد عزيز بلسان ملك عزيز في شأن أمة ، عزيز بأمر عزيز ورد الرسول عن الحبيب الأول بعد التلاقي بعد طول يزيل نزهة قلوب الأحباب بعد ذبول غصن سرورها في كتب الأحباب عند قراءة فصولها والعجب منها ، كيف لا ترهق سرورا بوصلها وارتياحا بحصولها!
قوله تعالى : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) : أمر حبيبه صلىاللهعليهوسلم أن يعبده بنعت ألا يرى نفسه في عبوديته ولا الكون وأهله ، ولا يتجاوز عن حد العبودية في مشاهدة الربوبية ، فإذا سقط من العبد حظوظه من العرش إلى الثرى فقد سلك مسلك الدين ، وهو طريق العبودية الخالصة عن رؤية الحدثان بنعت شهود الروح مشاهدة الرحمن ، وذلك هو الدين الذي اختاره الحق لنفسه ؛ حيث خلص عن غيره بقوله : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) ، والدين الخالص وجدان نور القدم بعد تلاشي الحدث في بوادي سنا العظمة والوحدانية ، كأنه تعالى دعا عباده بنعت التنبيه إلى خلوص الأسرار عن الأغيار في إقبالهم إليه.
قال الواسطي : ذكر وعيده على اللطافات ، فقال : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) ، وهو الذي يخلص فيه صاحبه من الشرك والبدعة والرياء والعجب ورؤية النفس.
وقال سهل : أخبر الله تعالى أن الذي له من الدين هو الذي يخلص من الرياء والشك والشبهات (١).
(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))
قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) : نكتة الآية في الحقيقة بعد رسوم
__________________
(١) قال الأستاذ : الدين الخالص ما تكون جملته لله ؛ فما للعبد فيه نصيب فهو من الإخلاص بعيد ، اللهم أن يكون بأمره ؛ إذا أمر العبد أن يحتسب الأجر على طاعته فإطاعته لا تخرجه عن الإخلاص باحتسابه ما أمره به ، ولولا هذا لما صحّ أن يكون في العالم مخلص. تفسير القشيري (٧ / ١٢).