أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))
قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) (٢١) : أخبر الله سبحانه عن سقيه أرواح أوليائه في الأزل شراب بحار رؤية أنوار القدم ؛ حيث ظهر جلال ذاته وصفاته لها ، وذلك الشراب لظهور طهوريته تجلّي قدس ذاته الذي ظهر تلك الأرواح من شرب الامتحان والقهر والحرمان ، لا تتدنس أوقاتها بشيء من الحدثان بعد شربها أشربة أفانين أنوار الصفات ، فتلك الكائنات المروقات عن علل الحجاب والعتاب ، دارت عليها في الدنيا حتى يرجع إلى معادنها من الغيب ، ففي كل لمحة لهم شراب الوصال والكشف والجمال لا مقطوعة ولا ممنوعة ، ولتلك الأشربة آثار السكر في وجودهم من هجوم المواجيد عليهم حين سلبتهم جذبات واردات الغيب عن رؤية الأكوان الحدثان ، سكرت أرواحهم بشراب رؤية القدم ، وسكرت أسرارهم بشراب رؤية البقاء ، وسكرت عقولهم برؤية نور الصفات ، وسكرت قلوبهم بشراب رؤية الذات ، وسكرت نفوسهم بشراب المداناة في الخلوات والمناجاة ، ففي كل حال لهم من ذلك الشراب وقت ، ووجد ، وشوق ، وعشق ، وهيمان ، ووله ، وهيجان ، ليس لهم في الكون سؤل غير هذا الشراب ، ولا لهم منى غير هذا الوصال ، به داوى جروح قلوبهم من آلام المحبة لا بشيء دونه.
تداويت من ليلى بليلى من الهوى |
|
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر |
قال بعضهم : إن لله شرابا صافيا طاهرا شهيا نقيّا ، ذخرها في كنوز ربوبيته لأوليائه وأصفيائه ، يفجّر لهم من ينبوع المعرفة في أنهار المعرفة ، فسقاهم ربهم بكأس المحبة شرابا طهورا ، فإذا شربوا بقلوبهم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، سقاهم ذلك في الدنيا في ميدان ذكره بكأس محبته على منابر السنة بمخاطبة الإيمان ، وسقاهم في الآخرة في ميدان قربه بكأس رؤيته على منابر النور ، بمخاطبته العيان.
قال سهل : فرّق الله بهذه اللفظة بين الطهور والطاهر ، وبين خمور الجنة وخمور الدنيا ؛ فإن خمور الدنيا نجسة تنجّس ساحبها وشاربها بالآثام ، وخمور الجنة طهور يطهّر شاربها من كل دنس ، ويصلحه لمجالس القدس ، ومشهد العزة.
قال جعفر : سقاهم التوحيد في السر ، فتاهوا عن جميع ما سواه ، فلم يفيقوا إلا عند المعاينة ، ورفع الحجاب فيما بينهم وبينه ، وأخذ الشراب ، ففي أخذه عنه لم يبق عليه منة باقية ، وحصله في ميدان الحصول والقبضة.