الذات والصفات ، ولذلك قال الله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) ، وعباده ههنا : أهل التمكين في المعرفة ، وكذلك حالهم في الدنيا يشربون شراب المحبة ممزوجة ببعض الكشوفات ، والعارفون يشربون جميعا بالرؤية والمكاشفات ، فلكل شربة لهم كشف وعيان ، فالصّافي من له شراب صاف من غير مزج ، فإن الممزوج لا يخلو من امتحان ، انظر كيف قال القائل :
مالي جفيت وكنت لا أجفي |
|
ودلائل الهجران لا تخفى |
وآرائى تسقيني وتمزج لي |
|
ولقد عهد إليك شاربي صرفا |
قال سهل : الأبرار الذين هم فيهم خلق من خلق العشيرة ، الذين وعدهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالجنة.
قال الواسطي : لما اختلفت أحوالهم في الدنيا ، كذلك اختلفت أشربتهم في الآخرة ، بل سقت الأشربة الأحوال من قدّر له شرابا طهورا في الآخرة ، طهّره الحق في الدنيا عن رؤية السعايات بالموافقة والمخالفة ، وهو من تحت قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) ، بردت الدنيا في صدورهم ، وانقطعت عن قلوبهم.
قيل : «الأبرار» : هم الذين سمت همتهم عن المستحقرات ، فظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة ، وأنفوا من مساكنهم الدنيا يشربون كأسا كان مزاجها كافورا.
قال الأستاذ : اختلفت مشاربهم في الآخرة ، فكلّ يسقى ما يليق بحاله.
وقال يحيى بن معاذ في قوله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) : إنها عيون يشربون منها في الدنيا ، فيورّثهم ذلك شراب الحضرة ، وذلك من عيون الحياء ، وعيون الصبر وعيون الوفاء.
قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً) : يوفون بنذورهم التي هي غرائم قلوبهم في أوائل قصود أرواحهم بحق الحق ألا يختاروا على الله شيئا من العرش إلى الثرى ، ويخافون من قهره ومكره بمعرفتهم بأنه منزّه من وصولهم
وفضولهم.
قال بعضهم : يوفون بما يطيقون ، يخافون أن يطالبوا بما لا يطيقون من تمام الوفاء.
قال سهل في هذه الآية : البلايا والشدائد في الآخرة عامّ ، والملامة خاصّ للخاص.
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا