(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣))
قوله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (٧٢) : وصف الله سبحانه حواري جنانه التي خلقهن لخدمة أوليائه ، وألبسهن لباس نوره ، وأجلسهن على سرير أنسه في جمال قدسه ، وضرب عليهن خيام الدر والياقوت ، ينتظرن أزواجهن من العارفين والمؤمنين المتقين ، لا يطرفن أبصارهن في انتظارهن من مسلك الأولياء من أزواجهن إلى غيرهم ، ثم وصفهن الله بأنهن قاصرات الطرف لم يصل إليهن مسّ الأغيار بقوله : [سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٤ الى ٧٧]
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧))
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) (٧٤) ، ثم وصفهن بأنهن خيّرات ، حسان ، نور حسن تجلي الحق يتلألأ من وجوههن من نظر إلى واحدة منهن بحار عقله فيها ، ويغيب قلبه في جمالها ، هي ريحانة الحق ، يستأنس بها العاشقون ؛ لأنها باكورة الجمال ، لها طلعة لو رأتها الشمس ما طلعت ، ولو رآها قضيب البان لم يمس ، يا لها من طيب وصالها ، ويا لها من حسنها وجمالها ، لو تفوح ذرّة من نفحة مسك ذؤابتها في الدنيا لتعطّر العالم بأسره من عطر نسيمها.
تضوّع مسكا بطن نعمان إن مشت |
|
به زينب في نسوة عطرات |
قال الحسين : حارت في رؤيتها الأبصار ، وقاصرات : قصرت عن إدراك وصفها الأفكار لا يترجم عنها لفظ اللسان.
قال يحيى بن معاذ : هي التي لا يقدر أحد على حكايتها ، وتعمى عيون المبصرين عن بلوغ حسنها ، كأن ألسنة العشق تنطق بمغيّبات العقول عن وجنتها ، وأنامل الأفراح تضرب بدفوف الفتن في صورتها معشوقة ، لو رآها الخلق لتحيّروا فيها ، هي التي قال الله فيها : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (١).
(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨))
__________________
(١) أي : أسرار حفية محبوسة في خيام القلوب والأرواح ، والأسرار لا يطّلع عليها إلا أهلها ؛ كالنساء اللائي تحت خيام الدنيا لا يظهرن إلا على أزواجهنّ ، وكل من هذين النداءين مستمر إلى آخر الزمان إلا أن النداء قلّ من يجيب له ؛ لأن الأسماع مسدودة ، والأفواه مقفولة ، والقلوب مختومة غالبا ، واقتضت الحكمة الإلهية غلبة أحكام الإمكان على أحكام الوجوب في كل زمان ، فلم يحصل على الحق إلا واحد من الألف ، كما يقتضيه الاسم الأعظم الحاكم على ألف من الأسماء الجمالية والجلالية ، فعليك بالتأمّل في هذا المجلس ، والاعتبار من الشيطان الذي هو مظهر اسم المضلّ في مرتبة الشريعة.