الذي خصّه الله به دون غيره ، وهذا كقوله : (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ، وتسميته بالمزمل ؛ لأنه مخفيّ عن عيون أهل الحدثان لا يطّلع على ما خصّه الله به من لطفيات قربه ، وغرائبات دنوه أحد من العرش إلى الثرى ، أي : قم عن مكمن الغيب ، وأظهر شرائفات اصطفائيتك برفعك أعلام نبوتك ، ورايات رسالتك ، فإنك مؤيد منصور ، كان متزمّلا بكساء لاطلاعه بامتناع أحدية الأزل ، بألا يدركها أهل الحدثان ، فمن هموم فقدانها دخل تحت كساء الحياء والإجلال من ظهور عظمة الحق له ، وهو في منزل بين رجاء الوجدان وخوف الفقدان.
قال ابن عطاء : أيها المخفي ما يظهره عليك من آثار الخصوصية آن آوان كشفه ، فأظهره ، فقد أيدناك ممن يتبعك ولا يخذلك ولا يخالفك ، وهو أبو بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب.
وقال القاسم : يا أيّها المزمل بالنبوّة ، ويا أيّها المدّثر بالرسالة.
(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤))
قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أي : غص في بحار القرآن ، فإن فيها جواهر أسرار الرحمن ، واسكن عند كشوف معنى أسرار خطابي من القرآن ، حتى تستوفي حقائقها ، فإن تحت كل حرف بحر من رموز لطائف القدم ، فإن مثلك يسبح في بحر صفاتي ؛ لذلك أفردتك بهذا الخطاب.
قال أبو بكر بن طاهر : دثّر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه ، وسرك بالإقبال عليه.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥))
قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥) : كيف لا يثقل قوله سبحانه ، قوله قديم ، وأجدر أن تذهب تحت سطوات عزته الأرواح ، والأشباح ، والأكوان ، والحدثان هو بذاته يحمل صفاته لا غير ، وكان صلىاللهعليهوسلم مؤيدا بالاتّصاف بالحق ، فكان يحمل الحق بالحق لطائفه لطيفة على قلبه ، ثقيلة على من لا يفهمها ؛ إذ القرآن بجماله حيث انكشف ، صار لطيفا على أهله ، وحيث لا ينكشف ثقيل على غير أهله.
قال أبو بكر بن طاهر : لا يحمله إلا قلب مؤيّد بالتوفيق ، ونفس مزيّنة بالتوحيد ، وهو قلبك ونفسك يا محمد ، ومن يطيق حمل ما أطقته من تلقف الخطاب عن المشاهدة ، لأنك مؤيّد بالعصم.