(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦))
قوله تعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٦) : تهجد الليل وساعاته موافقة لقلوب أهل مناجاته ، وأسهل من طاعة النهار من أهل مراقباته ؛ لما فيها من كشوف مشاهداته لهم ، وحلاوة مخاطباته ، أشد ناشئة لأهل المجاهدات ، وأسهل لأهل المشاهدات ، وأقوم قيلا قول الناجي ربه عند شكواه في ظهور عظمته من فقدان كلّيته.
قال سهل : ما ينشئه العبد من عبادة الليل ، هي أشد مواطأة على السمع والقلب ، من الإصغاء والفهم ، وأقوم قيلا ، وأثبت رتبة.
وقيل : أصوب قولا ؛ لأنه أبعد من الرياء.
وقيل : عبادة الليل ، أتمّ إخلاصا ، وأكثر بركة.
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧))
قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (١) أي : في نهار المشاهدة ، وكشفها لك في بحر الأزل والأبد ، سباحة طويلة سباحة النهار غوص الروح في بحر الآيات ؛ لطلب جواهر الصفات.
قال ابن طاهر : اشتغالا بالخدمة ، وإقبالا على الله ، وانتظارا لموارد الوحي.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨))
قوله تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي : إذا أردت أن تسبح في بحر جلالنا وقربنا وتريد أن تلقي نفسك فيها انقطع عن حدثان ، واطرح نفسك فيها بتأييد الرحمن ، واعتصم باسمه ، فإذا اعتصمت باسم الله لا تفنى في الله ، هذا إذا ذكر قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ، فكيف يكون إذا قال : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ، فإن في الاسم يبقى ، وفي المسمّى يفنى ، دعاه أولا إلى ذكره ، ثم دعاه إلى مذكوره ، أي : اذكرني بذكري ، ثم انقطع من الذكر إليّ ومني إلىّ ، فالأول في الذكر حظّ العبودية ، وفي الثاني حظّ الربوبية ، فإذا ظهر حظّ الربوبية يفنى حظّ العبودية.
قال ذو النون : سبحان من دلّى من الذكر أغصانا إلى الدنيا ، أشجارها في الملكوت ، وأطعم القلوب من ثمارها ، فأشفقهم في الدنيا والآخرة ، هذا فعل الذكر به ، فكيف إذ بهجهم
__________________
(١) أي : سبحا في أعمالك ، والسبح : الذهب والسرعة ، ومنه السباحة في الماء ، فالمعنى : مذاهبك في النهار فيما يشغلك كثيرة ، والليل أخلى لك. تفسير القشيري (٧ / ٤٩٤).