تنبيه : لا خلاف أنّ أم هنا ليست بمعنى بل لكن أكثر المفسرين على أن المراد ما يقع في صدر الكلام من الاستفهام بالهمزة كأنه يقول أخلقوا من غير شيء قال الرازي : ويحتمل أن يقال هو على أصل الوضع للاستفهام الذي يقع في أثناء الكلام وتقديره : أخلقوا من غير شيء أم هم الخالقون.
(أَمْ خَلَقُوا) أي : على وجه الشركة (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فهم بذلك عالمون بما فيهما على وجه الإحاطة واليقين ، حتى علموا أنك تقوّلته ليصير لهم ردّه والتهكم عليه (بَلْ لا يُوقِنُونَ) أي : ليس لهم نوع يقين وإلا لآمنوا برسوله وكتابه.
(أَمْ عِنْدَهُمْ) أي : خاصة دون غيرهم (خَزائِنُ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بإرسالك فيعلموا أنّ هذا الذي أتيت به ليس من قول الله تعالى فيصح قولهم إنك تقوّلته (أَمْ هُمُ) أي : لا غيرهم (المسيطرون) أي : الرقباء الحافظون المتسلطون الجبارون الرؤساء الحكام الكتبة ليكونوا ضابطين للأشياء كلها ، كما هو شأن كتاب السرّ عند الملوك فيعلمون أنك تقوّلت هذا الذكر لأنهم لم يكتبوا به إليك.
(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) يصعدون به إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ) أي : يتعمدون السماع لكل ما يكون فيها ومنها (فِيهِ) أي : صاعدين في ذلك السلم إلى كلام الملائكة وما يوحي إليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) أي : مدعي الاستماع (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : بحجة بينة واضحة.
وأشبه هذا الزعم زعمهم أنّ الملائكة بنات الله قال تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ) أي : بزعمكم (وَلَكُمُ الْبَنُونَ) أي : خاصة لتكونوا أقوى منه فتكذبوا رسوله صلىاللهعليهوسلم وتردوا قوله من غير حجة فتكونوا آمنين من عذاب يأتيكم منه لضعفه وقوّتكم.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ) أي : أيها الطاهر الشيم البعيد عن مواقع التهم (أَجْراً) على إبلاغ ما أتيتهم به (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) أي : غرم لك ولو قلّ ، والمغرم التزام ما لا يجب (مُثْقَلُونَ) فهم لذلك يكذبون من كان سببا في هذا الثقل بغير مستند ليستريحوا مما جره لهم من الثقل.
(أَمْ عِنْدَهُمُ) أي : خاصة بهم (الْغَيْبُ) أي : علم ما غاب عنهم (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي :
يجدّدون للناس كتابة جميع ما غاب عنهم مما ينفعهم ويضرّهم حتى يحسدوك فيما شاركتهم به منه فيردوه لذلك وينسبوك إلى ما نسبوك إليه مما يعلم كل أحد نزاهتك عنه وبعدك منه. وقال ابن عباس معناه أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون الناس به. واللام في الغيب لا للعهد ولا لتعريف الجنس بل المراد نوع الغيب ، كما تقول اشتر اللحم تريد بيان الحقيقة لا كل لحم ولا لحما معينا.
(أَمْ يُرِيدُونَ) أي : بهذا القول الذي يرمونك به (كَيْداً) أي : مكرا وضررا عظيما ليهلكوك به (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) وكان الأصل فهم ، ولكنه قال تعميما وتعليقا للحكم بالوصف (هُمُ) أي خاصة (الْمَكِيدُونَ) أي : المغلوبون المهلكون فإنهم مكروا به في دار الندوة فحفظه الله تعالى منهم ثم أهلكهم ببدر عند انتهاء سنين عدتها عدّة ما هنا من أم وهي خمس عشرة مرة ، لأنّ بدرا كانت في الثانية من الهجرة وهي الخامسة عشر من النبوّة فقد سبب الله تعالى فيها من الأسباب ما أوجب سعيهم إلى هلاكهم بأمور خارقة للعادة ، فلو كانت لهم بصائر لكفتهم في الهداية والردّ عن الضلالة والغواية.