(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ) أي : يمنعهم من التصديق بكتابنا أو يستندون إليه للأمان من عذابنا (غَيْرُ اللهِ) أي : الذي أحاط بجميع صفات الكمال (سُبْحانَ اللهِ) الملك الأعظم الذي تعالى عن أن يداني جنابه شائبة نقص (عَمَّا يُشْرِكُونَ) من الأصنام وغيرها.
تنبيه : الاستفهام بأم في مواضعها للتقبيح والتوبيخ ، ولما بين تعالى فساد أقوالهم وسقوطها أشار إلى أنهم لم يبق لهم عذر فإنّ الآيات والحجج قد ظهرت ولم يؤمنوا فبعد ذلك استحقوا الانتقام.
وقوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا) أي : معاينة (كِسْفاً) أي : قطعة وقيل قطعا واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر (مِنَ السَّماءِ) جهارا نهارا (ساقِطاً يَقُولُوا) جواب لقولهم (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) كأن الله تعالى يقول لو عذبناهم بسقوط قطعة من السماء عليهم لم ينتهوا عن قولهم ويقولون لمعاندتهم : هذا (سَحابٌ) فإن قيل لهم هو مخالف للسحاب بصلابته وغلظته قالوا (مَرْكُومٌ) أي : مركب بعضه على بعض فتلبد وتصلب.
وقوله تعالى : (فَذَرْهُمْ) أي : اتركهم على شر أحوالهم كقوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [السجدة : ٣٠] وقوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) [الصافات : ١٧٤] إلى غير ذلك فقيل : كلها منسوخة بآية القتال قال ابن عادل وهو ضعيف وإنما المراد التهديد كقول السيد لعبده الجاني لمن يصحبه دعه فإنه سينال جنايته (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ) أي : لا في غيره لأنّ ما حكمنا به لا يتقدم ولا يتأخر (يُصْعَقُونَ) أي : يموتون من شدة الأهوال وعظم الزلزال كما صعق بنو إسرائيل في الطور ، ولكن لا نقيمهم كما أقمنا أولئك إلا عند النفخ في الصور لنحشرهم للحساب الذي يكذبون به.
قال البقاعي : والظاهر أنّ هذا اليوم يوم بدر فإنهم كانوا قاطعين بالنصر فيه فما أغنى أحد منهم عن أحد شيئا كما قال أبو سفيان بن الحارث : ما هو إلا أنا لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا.
وقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي) أي : بوجه من الوجوه بدل من يومهم (عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ) أي : الذي يرمونه بهذه الأقوال المتناقضة (شَيْئاً) من الإغناء في دفع شيء يكرهونه من الموت ولا غيره كما يظنون أنه يغني عنهم في غير ذلك من أحوال هذه الدار (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي : يتجدد لهم نصر ما في ساعة ما يمنعهم من العذاب.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يجوز أن يكون من إيقاع الظاهر موضع المضمر وأن لا يكون ، والمعنى : وإنّ للذين أوقعوا الأشياء في غير مواقعها كما يقولونه في القرآن ويفعلونه من العصيان ويعتقدونه من الشرك والبهتان (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) أي : غير عذاب ذلك اليوم قال ابن عباس : يعني القتل يوم بدر وقال الضحاك : هو الجوع والقحط سبع سنين وقال البراء بن عازب : عذاب القبر ، والآية تحتمل هذه المعاني كلها (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن العذاب نازل بهم.
(وَاصْبِرْ) أي : أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت عليه من أداء الرسالة (لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم ، وسبب عن ذلك قوله تعالى مؤكدا لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي : بمرأى منا نراك ونحفظك ، وجمع لما اقتضته نون العظمة التي هذا سياقها وهي ظاهرة في الجمع ، وإشارة إلى أنه محفوظ بالجنود الذين