يريد ونفيت عنه الذئب ؛ قال ابن عادل : وليس بجيد لأنّ زيادة الاسم ليست بالسهلة ؛ وقيل : إنّ الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها ؛ وقيل : إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعل رؤساء الدنيا ؛ وقيل : إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه ؛ وقيل : إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها ؛ وقال الفراء : إنها جنة واحدة وإنما ثنى مراعاة لرؤوس الآي ؛ وأنكر القتيبي هذا وقال : لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون وإنما قال : تسعة عشر مراعاة لرؤوس الآي ؛ وقيل : جنة واحدة وإنما ثنى تأكيدا كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) [ق : ٢٤] وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل إلا أن يبلغه الله تعالى إليه إلا أن يبلغه الله تعالى الجنة» (١) أخرجه الترمذي. قوله أدلج الإدلاج مخففا سير أول الليل ، ومثقلا سير آخر الليل ؛ والمراد من الإدلاج التشمير والجد والاجتهاد في أوّل الأمر فإن من سار في أوّل الليل كان جديرا ببلوغ المنزل.
روى البغوي بسنده عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقص على المنبر وهو يقول : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت الثانية : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الثالثة : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قلت الثالثة : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله قال : «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء» (٢).
فائدة : قال القرطبي : في هذه الآية دليل على أنّ من قال لزوجته إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق إنه لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله تعالى وحياء منه ؛ وقاله سفيان الثوري وأفتى به. هذا ومذهب الشافعي أنه لا يحنث إذا كان مسلما ومات على الإسلام.
وقال عطاء : نزلت هذه الآية في أبي بكر حين ذكر ذات يوم الجنة حين أزلفت والنار حين أبرزت ؛ وقال الضحاك : بل شرب ذات يوم لبنا على ظمأ فأعجبه فسأل عنه ، فأخبر عنه أنه من غير حل فاستقاءه ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ينظر إليه فقال : رحمك الله لقد أنزلت فيك آية وتلا عليه الآية.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) المربي لكما بإحسانه الكبار التي لا يقدر أحد على شيء منها (تُكَذِّبانِ) أبتلك النعمة أم بغيرها من نعمه التي لا تحصى؟.
ثم وصف الجنتين بقوله تعالى : (ذَواتا) أي : صاحبتا أو خبر لمبتدأ محذوف أي : هما ذواتا ، وفي تثنية ذات لغتان الردّ إلى الأصل ، فإنّ أصلها ذوية فالعين واو واللام ياء لأنها مؤنثة ذوو الثانية التثنية على اللفظ فيقال ذاتا. وقوله تعالى (أَفْنانٍ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع فنن كطلل وهو الغصن المستقيم طولا تكون به الزينة بالورق والثمر وكمال الانتفاع ، قال النابغة الذبياني (٣) :
بكاء حمامة تدعو هديلا |
|
مفجعة على فنن تغني |
__________________
(١) أخرجه الترمذي حديث ٢٤٥٠ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٣٠٨ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨ / ٤٤١.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٥٢ ، ١٥٩ ، ١٦١ ، ١٦٦ ، ٢٨٥ ، ٦ / ٤٤٢ ، ٤٤٧.
(٣) البيت من الوافر ، وهو في ديوان النابغة الذبياني ص ١٢٦.