ولا خطر على قلب بشر (تُكَذِّبانِ) أبهذه النعم أم بغيرها.
(مُتَّكِئِينَ) أي لهم ما ذكر حالة الاتكاء والعامل في الحال محذوف ، أي : ينعمون متكئين (عَلى رَفْرَفٍ) أي : ثياب ناعمة وفرش رقيقة النسج من الديباج لينة ووسائد عظيمة ، ورياض باهرة ، وبسط لها أطراف فاضلة ، وهو جمع رفرفة ، لأن الله تعالى وصفه بالجمع بقوله : (خُضْرٍ) ووصفه بذلك لأنّ الخضرة أحسن الألوان وأبهجها ، وقال الجوهري : هو ثياب خضر تتخذ منها المحابس الواحدة رفرفة واشتقاقه من رف الطائر أي : ارتفع في الهواء ورفرف بجناحيه إذا نشرهما للطيران ؛ وقيل : الرفرف طرف الفسطاط والخباء الواقع على الأرض دون الأطناب والأوتاد ؛ وفي الخبر في وفاة النبيّ صلىاللهعليهوسلم «فرفع الرفرف ، فرأينا وجهه كأنه ورقة» (١) ، أي : رفع طرف الفسطاط وقال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : الرفرف أعظم خطرا من الفرش فذكر في الأوليين (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وقال هنا : (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) فالرفرف هو مستقر الولي على شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به أي طار به حيثما يريد كالمرجاح. وروي في حديث المعراج أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما بلغ سدرة المنتهى ، جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى سند العرش فذكر أنه قال : «طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي على ربي» (٢). أي : في محل تنزلات رحمة ربي ثم لما جاء الانصراف تناوله فطار به خفضا ورفعا يهوي به ، حتى أداه إلى جبريل عليهالسلام ؛ فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور من الدنوّ والقرب ؛ كما أنّ البراق دابة تركبها الأنبياء عليهمالسلام مخصوصة بذلك ، وهذا الرفرف الذي سخر لأهل الجنتين الدائبتين هو متكؤهما وفرشهما يرفرف بالوليّ على حافات تلك الأنهار حيث يشاء إلى خيام أزواجه.
وقوله تعالى : (وَعَبْقَرِيٍ) منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد الجنّ فينسبون إليه كل شيء عجب ؛ قال في القاموس : عبقر موضع كثير الجنّ وقرية ثيابها في غاية الحسن ، والعبقري الكامل من كل شيء ؛ وقال الخليل : هو كلّ جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم ؛ وقال قطرب ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسي وبختي ا. ه. والمراد به : الجنس ، ولذلك قال تعالى : (حِسانٍ) حملا على المعنى أي هي في غاية من كمال الصنعة وحسن المنظر لا توصف.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) المحسن الواحد الذي لا محسن غيره ولا إحسان إلا منه (تُكَذِّبانِ) أبشيء من هذه النعم أم بغيرها؟
ولما دلّ ما ذكر في هذه السورة من النعم على إحاطة مبدعها بأوصاف الكمال وختم نعم الدنيا بقوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٧] وفيه إشارة إلى أنّ الباقي هو الله تعالى وأنّ الدنيا فانية ختم نعيم الآخرة بقوله عز من قائل : (تَبارَكَ) قال ابن برّجان : تفاعل من البركة ولا يكاد يذكره جل ذكره إلا عند أمر معجب ا. ه. ومعناه ثبت ثباتا لا تسع العقول وصفه.
ولما كان تعظيم الاسم أبلغ في تعظيم المسمى قال تعالى : (اسْمُ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك
__________________
(١) انظر القرطبي في تفسيره ١٧ / ١٩١.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.