أيديكم بتوريثه إياكم فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم وسينقل منكم إلى من بعدكم ، فلا تبخلوا به وانفعوا بالإنفاق منها أنفسكم.
ولما أمر تعالى بالإنفاق ووصفه بما سهله سبب عنه ما يرغب فيه فقال تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا) من أموالهم في الوجوه التي ندب إليها على وجه الإصلاح على ما دلّ عليه التعبير بالإنفاق (لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) أي : لا تبلغ عقولكم حقيقة كبره فاغتنموا الإنفاق في أيام استخلافكم قبل عزلكم وإتلافكم ، وخصهم بالذكر بقوله تعالى : (مِنْكُمْ) لضيق في زمانهم ، وقيل : إنّ ذلك إشارة إلى عثمان فإنه جهز جيش العسرة.
وقوله تعالى : (وَما) أي : وأيّ شيء (لَكُمْ) من الأعذار أو غيرها في أنكم أو حال كونكم (لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي : تجدّدون الإيمان تجديدا مستمرا بالملك الأعلى ، أي : الذي له الملك كله والأمر كله خطاب للكفار ، أي : لا مانع لكم بعد سماعكم ما ذكر (وَالرَّسُولُ) أي : والحال أن الذي له الرسالة العامة (يَدْعُوكُمْ) في الصباح والمساء (لِتُؤْمِنُوا) أي : لأجل أن تؤمنوا (بِرَبِّكُمْ) الذي أحسن تربيتكم بأن جعلكم من أمّة هذا النبيّ الكريم فشرفكم به (وَقَدْ) أي : والحال أنه قد (أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) أي : وقع أخذه فصار في غاية القباحة ، ترك التوثق بسبب نصب الأدلة والتمكين من النظر بإبداع العقول وذلك كله منضم إلى أخذ الذرّية من ظهر آدم عليهالسلام حين أشهدهم على أنفسهم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] وقرأ أبو عمرو : بضم الهمزة وكسر الخاء ورفع القاف على البناء للمفعول ليكون المعنى : من أيّ أخذ كان من غير نظر إلى معين وقرأ الباقون بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف على البناء للفاعل والآخذ هو الله القادر على كل شيء العالم بكل شيء ، والحاصل : أنهم نقضوا الميثاق في الإيمان فلم يؤاخذهم حتى أرسل الرسل (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : مريدين الإيمان فبادروا إليه (هُوَ) أي : لا غيره (الَّذِي يُنَزِّلُ) أي : على سبيل التدريج والموالاة بحسب الحاجة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي (عَلى عَبْدِهِ) الذي هو أحق الناس بحضرة جماله وإكرامه وهو محمد صلىاللهعليهوسلم (آياتٍ) أي : علامات هي من ظهورها حقيقة أن يرجع إليها ويتعبد بها (بَيِّناتٍ) أي : واضحات وهي آيات القرآن الكريم (لِيُخْرِجَكُمْ) أي : الله بالقرآن أو عبده بالدعوة (مِنَ الظُّلُماتِ) التي أنتم منغمسون فيها من الحظوظ والنقائص التي جبل عليها الإنسان والغفلة الكاملة على تراكم الجهل ، فمن آتاه الله تعالى العلم والإيمان فقد أخرجه من هذه الظلمات التي طرأت عليه (إِلَى النُّورِ) الذي كان له وصفا لروحه وفطرته الأولى السليمة (وَإِنَّ اللهَ) أي : الذي له صفات الكمال (بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : حيث نبهكم بالرسل والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية ، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي بقصر الهمزة ، والباقون بالمدّ ، وورش على أصله بالمدّ والتوسط والقصر ، وليس قصره كقصر أبي عمرو ومن معه وإنما قصره كمدّ قالون ومن وافقه (وَما) أي : وأي شيء يحصل (لَكُمْ) في (أَلَّا تُنْفِقُوا) أي : توجدوا الإنفاق للمال (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : في كل ما يرضي الملك الأعظم الذي له صفات الكمال ليكون لكم به وصلة فيخصكم بالرأفة التي هي أعظم الرحمة ، فإنه ما يبخل أحد عن وجه خير إلا سلط الله عليه غرامة في وجه شرّ (وَلِلَّهِ) أي : الذي له صفات الكمال لا سيما صفة الإرث المقتضية للزهد في الموروث (مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال فمن تأمّل أنه