لكتاب الله» (١) وقال : «فليؤمكما أكبركما» (٢) وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدين فمن قدّم في الدين قدّم في الدنيا ، وفي الحديث «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا» (٣) وفي الحديث : «ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه» (٤)
ثم رغب في الإنفاق بقوله تعالى : (مَنْ) وأكد بالإشارة بقوله تعالى : (ذَا) لأجل ما للنفوس من الشح (الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) أي : يعطي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام شبه ذلك بالقرض على سبيل المجاز لأنه إذا أعطى المستحق ما له لوجه الله تعالى فكأنه أقرضه إياه (قَرْضاً حَسَناً) أي : طيبا خالصا مخلصا فيه متحريّا به أفضل الوجوه من غير منّ وكدر بتسويف وغيره (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) أي : يؤتي أجره من عشرة إلى أكثر من سبعمئة كما ذكره في البقرة إلى ما شاء الله تعالى من الأضعاف ، وقيل : القرض الحسن أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال زيد بن أسلم : هو النفقة على الأهل ، وقال الحسن : التطوع بالعبادات ، وقرأ ابن عامر وعاصم بنصب الفاء بعد العين والباقون بالرفع وقرأ ابن كثير وابن عامر بغير ألف بعد الضاد وتشديد العين ، والباقون بألف بعد الضاد وتخفيف العين (وَلَهُ) أي : للمقرض زيادة على ذلك (أَجْرٌ) لا يعلم قدره إلا الله تعالى وهو معنى وصفه بقوله تعالى : (كَرِيمٌ) أي : حسن طيب زاك تامّ.
وقوله تعالى :
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ
__________________
(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٦٧٣ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٥٨٢ ، والترمذي في الصلاة حديث ٢٣٥ ، والنسائي في الإمامة حديث ٧٨٠ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٩٨٠.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان حديث ٦٣٠ ، ٦٣١ ، ومسلم في المساجد حديث ٦٧٤ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٥٨٩ ، والترمذي في الصلاة حديث ٢٠٥ ، والنسائي في الأذان حديث ٦٣٤ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٩٧٩.
(٣) أخرجه بهذا اللفظ أحمد في المسند ٣ / ٢٠٧ ، وأخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٩٤٣ ، بلفظ : «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا» ، وأخرجه الترمذي في البر حديث ١٩١٩ ، ١٩٢٠ ، ١٩٢١ ، بلفظ : «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا».
(٤) أخرجه الترمذي في البر حديث ٢٠٢٢.