وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))
(يَوْمَ) ظرف لقوله تعالى : (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) أو منصوب بإضمار أذكر أي : واذكر يوم (تَرَى) أي : بالعين (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي : الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة (يَسْعى نُورُهُمْ) أي : ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ، كما أنّ الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم فيجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا وبصحائفهم البيض أفلحوا ، فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومرّوا على الصراط يسعون يسعى معهم ذلك النور حبيبا لهم ومتقدّما ، والأوّل : نور الإيمان والمعرفة والأعمال المقبولة ، والثاني : نور الإنفاق لأنه بالإيمان نبه عليه الرازي وقال قتادة : ذكر لنا أنّ نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن ودون ذلك حتى أنّ من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه» (١). وقال عبد الله بن مسعود : «يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا نوره على إبهامه فيطفأ مرة ويتقد أخرى ويقول لهم الذين يتلقونهم من الملائكة : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) أي : بشارتكم العظيمة في جميع ما يستقبلكم من الزمان.
تنبيه : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) مبتدأ واليوم ظرف وقوله تعالى : (جَنَّاتٌ) خبره على حذف مضاف أي : دخول جنات وهو المبشر به ثم وصفها بما لا تكمل اللذة إلا به بقوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ثم آمنهم من خوف الانقطاع بقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) أي : خلودا لا آخر له لأنّ الله تعالى أورثهم ذلك فلا يورث عنه لأنّ الجنة لا موت فيها (ذلِكَ) أي : هذا الأمر العظيم المتقدّم من النور والبشرى بالجنات المخلدة (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : الذي ملأ بعظمته جميع جهاتهم.
ولما شرح تعالى حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين بقوله : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) وهم المظهرون الإيمان المبطنون الكفر.
تنبيه : يوم بدل من يوم ترى أو منصوب بأذكر (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : ظاهرا وباطنا (انْظُرُونا) أي : انتظرونا لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف على ركائب تزف بهم وهؤلاء مشاة ، أو انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به ، وقرأ حمزة : بقطع الهمزة في الوصل وكسر الظاء والباقون بوصل الهمزة ورفع الظاء ، وأما الوقف على آمنوا والابتداء بانظرونا فحمزة على حاله كما يقرأ في الوصل ، والباقون بضم همزة الوصل في الابتداء والظاء على حالها من الضم (نَقْتَبِسْ) أي : نستضيء (مِنْ نُورِكُمْ) أي : هذا الذي نراه لكم ولا يلحقنا منه شيء كما كنا في الدنيا نرى إيمانكم بما نرى من ظواهركم ولا نتعلق من ذلك بشيء ، (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٦] وذلك لأنّ الله تعالى يضيء للمؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم وهو قوله تعالى : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحا وظلمة فأطفأت نور المنافقين فذلك قوله تعالى :
__________________
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٥ / ٢٨.