(يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [التحريم : ٨] الآية مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين والقبس الشعلة من النار أو السراج ، قال ابن عباس وأبو إمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة ؛ قال الماوردي : أظنها بعد فصل القضاء ثم يعطون نورا يمشون فيه ؛ وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) قيل لهم جوابا لسؤالهم ؛ قال ابن عباس يقول لهم المؤمنون : أي : قول ردّ وتوبيخ وتهكم وتنديم (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) أي : ارجعوا إلى الموقف حيث أعطينا النور (فَالْتَمِسُوا نُوراً) هناك فمن ثم يقتبس أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل سببه وهو الإيمان أو ارجعوا خائبين وتنحوا عنا والتمسوا نورا آخر فلا سبيل لكم إلى هذا النور ، وقد علموا أن لا نور وراءهم وإنما هو تخييب وإقناط لهم ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، وقرأ هشام والكسائي : بضم القاف والباقون بكسرها.
ولما كان التقدير فرجعوا أو فأقاموا في الظلمة سبب عنه وعقب قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) أي : بين المؤمنين والمنافقين (بِسُورٍ) أي : حائط حائل بين شق الجنة وشق النار (لَهُ) أي : لذلك السور (بابٌ) موكل به حجاب لا يفتحون إلا لمن أذن له الله تعالى من المؤمنين لما يهديهم إليه من نورهم الذي بين أيديهم بشفاعة أو نحوها (باطِنُهُ) أي : ذلك السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة من جهة الذين آمنوا جزاء لإيمانهم الذي هو غيب (فِيهِ الرَّحْمَةُ) وهي ما لهم من الكرامة لأنه يلي الجنة التي هي ساترة تبطن من فيها بأشجارها وبأستارها كما كانت بواطنهم ملآنة رحمة (وَظاهِرُهُ) أي : ما ظهر لأهل النار (مِنْ قِبَلِهِ) أي : من عنده ومن جهته (الْعَذابُ) وهو الظلمة والنار لأنه يليها لاقتصار أهلها على الظواهر من غير أن يكون لهم نفوذ إلى باطن ، وروي عن عبد الله بن عمر أنّ السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم.
وقال ابن سريج : كان كعب يقول : في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) الآية ، وقيل : السور عبارة عن منع المنافقين عن طلب المؤمنين (يُنادُونَهُمْ) أي : ينادي المنافقون الذين آمنوا ويترققون لهم (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي : في الدنيا نصلي ونصوم فنستحق المشاركة فيما صرتم إليه بسبب ذلك الذي كنا معكم فيه (قالُوا) أي : الذين آمنوا (بَلى) أي : كنتم معنا في الظاهر (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلها فتنة (وَتَرَبَّصْتُمْ) أي : بالإيمان والتوبة وبمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقلتم : يوشك أن يموت فنستريح منه (وَارْتَبْتُمْ) أي : شككتم في الدين وفي نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وفيما وعدكم به (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) أي : ما تتمنون من الإرادات التي معها شهوة عظيمة من الأطماع الفارغة التي لا سبب لها غير شهوة النفس إياها بما كنتم تتوقعون لنا من دوائر السوء (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) أي : قضاء الملك المتصف بجميع صفات الكمال فلا كفؤ له ولا خلف وقرأ قالون وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر ، وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية ، وأيضا لهما إبدالها والباقون بتحقيقهما ، وأمال الألف بعد الميم حمزة وابن ذكوان ، والباقون بالفتح وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة الثانية مع المدّ والتوسط والقصر (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ) أي : الملك الذي له جميع العظمة (الْغَرُورُ) أي : من لا صنع له إلا الكذب وهو الشيطان