هما اللذان تتعدى فيهما إلى ما لا يجوز (وَاللهُ) أي : الذي له صفات الكمال (لا يُحِبُ) أي : لا يفعل فعل المحب بأن يكرم (كُلَّ مُخْتالٍ) أي : متكبر نظرا إلى ما في يده من الدنيا (فَخُورٍ) أي : به على الناس قال القشيري : الاختيال من بقايا النفس ورؤيتها ، والفخر من رؤية خطر ما به يفتخر.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بدل من كل مختال فخور فإنّ المختال بالمال يضن به غالبا (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ) أي : كل من يعرفونه (بِالْبُخْلِ) إرادة أن يكونوا لهم رفقاء يعملون بأعمالهم الخبيثة أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي : يكلف نفسه الإعراض ضد ما في فطرته من محبة الخير والإقبال على الله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ) الذي له جميع صفات الكمال (هُوَ) أي : وحده (الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لأنّ معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإنّ الله غني أي : عن ماله وعن إنفاقه وكل شيء مفتقر إليه وهو مستحق للحمد سواء أحمده الحامدون أم لا (لَقَدْ أَرْسَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (أَرْسَلْنا) أي : الذين لهم نهاية الجلال بما لهم بنا من الاتصال من الملائكة إلى الأنبياء على جميعهم أفضل الصلاة والسلام ومن الأنبياء إلى الأمم (بِالْبَيِّناتِ) أي : الحجج القواطع (وَأَنْزَلْنا) أي : بعظمتنا التي لا شيء أعلى منها (مَعَهُمُ الْكِتابَ) أي : الكتب المتضمنة للأحكام وشرائع الدين (وَالْمِيزانَ) أي : العدل ، وقيل : الآلة روي أن جبريل عليهالسلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح عليهالسلام وقال مر قومك يزنوا به (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي : ليتعاملوا بينهم بالعدل (وَأَنْزَلْنا) أي : خلقنا خلقا عظيما بما لنا من القوة (الْحَدِيدَ) أي : المعروف على وجه من القوّة والصلابة واللين فلذلك سمي إيجاده إنزالا ؛ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزل آدم عليهالسلام من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد وروي من آلة الحدادين السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة ، وحكاه القشيري قال : والميقعة ما يحدد به يقال : وقعت الحديدة أقعها أي : حددتها وفي الصحاح : الميقعة الموضع الذي يألفه البازي فيقع عليه ، وخشبة القصار التي يدق عليها والمطرقة والمسن الطويل ، وروى ومعه المبرد والمسحاة ، وعن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض أنزل الحديد والنار والماء والملح» (١). وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «أنزل ثلاثة أشياء مع آدم عليهالسلام الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج وعصا موسى عليهالسلام وكانت من آس طولها عشرة أذرع مع طول موسى» (٢) ؛ وعن الحسن (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) خلقناه كقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) [الزمر : ٦] وذلك أن أوامره تنزل من السماء وقضاياه وأحكامه (فِيهِ بَأْسٌ) أي : قوة وشدّة (شَدِيدٌ) أي : قوة شديدة فمنه جنة وهي آلة الدفع ومنه سلاح وهو آلة الضرب (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) بما يعمل منه من مرافقهم لتقوم أحوالهم بذلك قال البيضاوي : ما من صنعة إلا والحديد آلتها ، وقال مجاهد : يعني جنة ، وقيل : انتفاع الناس بالماعون الحديد كالسكين والفأس ونحو ذلك ، وروي أنّ الحديد أنزل في يوم الثلاثاء فيه بأس شديد ، أي مهراق الدماء ولذلك نهي عن الفصد والحجامة في يوم الثلاثاء لأنه يوم جرى فيه الدم ؛ وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إن في يوم الثلاثاء
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٤٦٥١ ، والذهبي في الطب النبوي ٩٠ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ٢٦٠ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ٥٦٦ ، والسيوطي في جمع الجوامع ٤٧١٥.
(٢) انظر القرطبي في تفسيره ١٧ / ٢٦٠.