(أَعَدَّ اللهُ) أي : الذي له العظمة الباهرة فلا كفء له (لَهُمْ عَذاباً) أي : أمرا قاطعا لكل عذوبة (شَدِيداً) أي : لا طاقة لهم به ثم علل عذابهم بما دلّ على أنه واقع في أتم مواقعه بقوله تعالى مؤكدا تقبيحا على من كان يستحسن فعالهم (إِنَّهُمْ ساءَ) أي : بلغ الغاية بما يسوء ودل على أنّ ذلك لهم كالجبلة بقوله تعالى : (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : يجدّدون عمله مستمرّين عليه لا ينفكون عنه ، قال الزمخشري : أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة.
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) أي : الكاذبة التي لا تهون على من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان (جُنَّةً) وقاية وسترة من كل ما يفضحهم من النفاق كائنا ما كان (فَصَدُّوا) أي : كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سببا لإيقاعهم الصدّ (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : شرع الملك الأعلى الذي هو طريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز العظيم فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهنون أمره ويحقرونه ، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الخائنة ودرّت عليهم الأرزاق استدراجا ، وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونه من أقوالهم المؤكدة بالأيمان ، غرّه ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم ونسج على منوالهم غرورا بظاهر أمرهم معرضا عما توعدهم الله تعالى عليه من جزاء خداعهم وأمرهم وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال تعالى : (فَلَهُمْ) أي : فتسبب عن صدّهم إنه كان لهم (عَذابٌ مُهِينٌ) جزاء بما طلبوا بذلك الصدّ إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام
(لَنْ تُغْنِيَ) أي : بوجه من الوجوه (عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) أي : في الدنيا ولا في الآخرة بالافتداء ولا بغيره (وَلا أَوْلادُهُمْ) أي : بالنصرة والمدافعة (مِنَ اللهِ) أي : إغناء مبتدأ من الملك الأعلى (شَيْئاً) ولو قل جدّا فمهما أراد بهم سبحانه كان ونفذ ومضى لا يدفعه شيء تكذيبا لمن قال منهم : لئن كان يوم القيامة لنكوننّ أسعد فيه منكم كما نحن الآن ولننجونّ بأنفسنا وأموالنا وأولادنا (أُولئِكَ) أي : البعداء من كل خير (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ) أي : خاصة (فِيها) أي : خاصة (خالِدُونَ) أي : دائمون لازمون إلى غير نهاية
وقوله تعالى : (يَوْمَ) منصوب باذكر أي : واذكر يوم (يَبْعَثُهُمُ اللهُ) أي : الذي له جميع صفات الكمال (جَمِيعاً) فلا يترك أحدا منهم ولا من غيرهم إلا أعاده إلى ما كان قبل موته (فَيَحْلِفُونَ) أي : فيتسبب عن ظهور القدرة التامّة لهم ومعاينة ما كانوا يكذبون به أنهم يحلفون (اللهُ) أي : لله في الآخرة أنهم مسلمون فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ونحو ذلك (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) في الدنيا أنهم مثلكم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يحلفون لله تعالى يوم القيامة كذبا كما حلفوا لأوليائه في الدنيا وهو قولهم والله ربنا ما كنا مشركين. (وَيَحْسَبُونَ) أي : في القيامة بأيمانهم الكاذبة (أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) أي : يحصل لهم به نفع بإنكارهم وحلفهم ، وقيل : يحسبون في الدنيا أنهم على شيء ، لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار والأول أظهر والمعنى : أنهم لشدّة توغلهم في النفاق ظنوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب.
وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ينادي مناد يوم القيامة أين خصماء الله تعالى فتقوم القدرية مسودّة وجوههم مزرقة أعينهم مائل شقهم يسيل لعابهم فيقولون والله ما عبدنا من دونك شمسا ولا