طاعتهم في المعروف ، وذلك كما فعل أبو عبيدة بن الجراح حيث قتل أباه عبد الله بن الجرّاح يوم أحد (أَوْ أَبْناءَهُمْ) أي : الذين جبلوا على محبتهم ورحمتهم ، كما فعل أبو بكر «فإنه دعا ابنه يوم بدر إلى المبارزة وقال : دعني يا رسول الله أكن في الرعلة الأولى فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصري» (١)(أَوْ إِخْوانَهُمْ) أي : الذين هم أعضادهم كما فعل مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد وخزف سعد بن أبي وقاص غير مرّة فراغ منه روغان الثعلب فنهاه النبي صلىاللهعليهوسلم عنه وقال : أتريد أن تقتل نفسك.
وقتل محمد بن سلمة الأنصاري أخاه من الرضاع كعب بن الأشرف اليهودي رأس بني النضير (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي : الذين هم أنصارهم وأمدادهم كما قتل عمر خاله العاصي وهشام ابن المغيرة يوم بدر ، وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث قتلوا يوم بدر بني عمهم عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة.
وعن الثوري : أنّ السلف كانوا يرون أنّ الآية نزلت فيمن يصحب السلطان ا. ه. ومدار ذلك على أنّ الإنسان يقطع رجاءه من غير الله تعالى ، وإن لم يكن كذلك لم يكن مخلصا في إيمانه.
تنبيه : قدّم الآباء أوّلا لأنهم تجب طاعتهم على أبنائهم ، ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب وهم حياتها ، ثم ثلث بالأخوان لأنهم هم الناصرون بمنزلة العضد من الذراع. قال الشاعر (٢) :
أخاك أخاك إن من لا أخا له |
|
كساع إلى الهيجا بغير سلاح |
وإن ابن عمّ المرء فاعلم جناحه |
|
وهل ينهض البازي بغير جناح |
ثم ربع بالعشيرة لأنّ بها يستغاث وعليها يعتمد ، والمعنى : أنّ الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع المحبة ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مطروحا بسبب الدين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجرّاح لما قتل أباه ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قتل خاله العاصي بن هشام يوم بدر روي أنها نزلت في أبي بكر ، وذلك أنّ أبا قحافة سب النبي صلىاللهعليهوسلم فصكه صكة سقطت منها أسنانه ، ثم أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر له ذلك ، فقال : أو فعلت ، قال : نعم ، قال : لا تعد إليه ، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته ، فهؤلاء لم يوادّوا أقاربهم.
قال القرطبي : استدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم ، قال القرطبي : وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم. وعن عبد العزيز بن أبي رواد : أنه لقي المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلا الآية. وقال صلىاللهعليهوسلم «اللهمّ لا تجعل لفاجر عندي نعمة ، فإني وجدت فيما أوحيت إليّ (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية (أُولئِكَ) أي : العالو الهمة
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٤٧٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٨ / ١٨٦ ، والقرطبي في تفسيره ١٠ / ١٩ ، ١٧ / ٣٠٧.
(٢) البيتان من الطويل ، وهما لمسكين الدارمي في ديوانه ص ٢٩ ، والأغاني ٢٠ / ١٧١ ، ١٧٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٧ ، والبيت الأول لمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص ٢٦٩ ، ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص ٢٤٥ ، ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدارمي في الحماسة البصرية ٢ / ٦٠.