فكان ذلك من أعلام النبوة ، وعلم به من كان شاكا فضلا عن الموفقين (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) أي : المنافقون في وقت من الأوقات (لَيُوَلُّنَ) أي : المنافقون ومن ينصرونه. وحقرهم بقوله تعالى : (الْأَدْبارَ) أي : ولقد قدر وجود نصرهم لولوا الأدبار منهزمين (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي : يتجدّد لفريقيهم ، ولا لواحد منهما نصرة في وقت من الأوقات. ولم يزل المنافقون واليهود في الذل.
(لَأَنْتُمْ) أيها المؤمنون (أَشَدُّ رَهْبَةً) أي : خوفا (فِي صُدُورِهِمْ) أي : اليهود ومن ينصرهم (مِنَ اللهِ) أي : لتأخير عذابه ، وأصل الرهبة والرهب : الخوف الشديد مع حزن واضطراب ، والمعنى : أنهم يرهبونكم ويخافون منكم أشد الخوف ، وأشد من رهبتهم من الله لما مرّ. (ذلِكَ) أي : الأمر الغريب وهو خوفهم الثابت اللازم من مخلوق مثلهم ضعيف لرؤيتهم له ، وعدم خوفهم من الخالق على ما له من العظمة في ذاته ، ولكونه غنيا عنهم (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ) أي : على ما لهم من القوة (لا يَفْقَهُونَ) أي : لا يتجدّد لهم بسبب كفرهم واعتمادهم على مكرهم في وقت من الأوقات ، فهم يشرح صدورهم ليدركوا به أنّ الله تعالى هو الذي ينبغي أن يخشى لا غيره ، بل هم كالأنعام لا نظر لهم إلى الغيب إنما هم مع المحسوسات. والفقه هو العلم بمفهوم الكلام ظاهره الجلي وغامضه الخفي بسرعة فطنة وجودة قريحة.
(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤))
(لا يُقاتِلُونَكُمْ) أي : اليهود والمنافقون (جَمِيعاً) أي : قتالا تقصدونه مجاهرة وهم مجتمعون كلهم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) أي : ممتنعة بحفظ الدروب ، وهي السكك الواسعة بالأبواب والخنادق ونحوها (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي : محيط بهم سواء كان بقرية أم بغيرها لشدّة خوفهم ، وقد أخرج هذا ما حصل من بعضهم عن ضرورة كالأسير ، ومن كان ينزل من أهل خيبر من الحصن يبارز ونحو ذلك فإنه لم يكن عن اجتماع أو يكون هذا خاصا ببني النضير في هذه الكرة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الجيم وفتح الدال وألف بعدها وأمال الألف أبو عمرو ، والباقون بضم الجيم والدال (بَأْسُهُمْ) أي : حربهم (بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي : بعضهم فظ على بعض وعداوة بعضهم بعضا شديدة. وقيل : بأسهم بينهم من وراء الحيطان والحصون شديد ، فإذا خرجوا إليكم فهم أجبن خلق الله تعالى : (تَحْسَبُهُمْ) أي : اليهود