وغيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : كان راهب يقال له برصيصا تعبد في صومعة له سبعين سنة لم يعص الله تعالى فيها طرفة عين ، وإن إبليس أعياه في أمره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين ، فقال : ألا أجد فيكم من يكفيني برصيصا فقال له : الأبيض وهو صاحب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهو الذي تصدى للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وجاءه في صورة جبريل عليهالسلام ليوسوس إليه على وجه الوحي ، فدفعه جبريل عليهالسلام إلى أقصى أرض الهند ، فقال الأبيض لإبليس : أنا أكفيك أمره فانطلق فتزيا بزيّ الرهبان ، وحلق وسط رأسه ، وأتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه ، وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام مرّة ولا يفطر في كل عشرة أيام إلا مرة فلما رآه الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعته فرأى الأبيض قائما يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما رأى ذلك من حاله ندم على نفسه حين لم يجبه ، فقال له : إنك حين ناديتني كنت مشتغلا عنك فما حاجتك؟ قال : حاجتي أني أحببت أن أكون معك فأتأدب بأدبك ، وأقتبس من علمك ، ونجتمع على العبادة ، وتدعو لي ، وأدعو لك فقال برصيصا : إني لفي شغل عنك ، فإن كنت مؤمنا فإن الله سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين نصيبا إن استجاب الله لي ، ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض ، فأقبل الأبيض يصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوما ، فلما التفت بعدها رآه قائما يصلي فلما رأى برصيصا شدة اجتهاد الأبيض ، قال له : ما حاجتك؟ قال : حاجتي أن تأذن لي أن أرتفع إليك فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام حولا يتعبد فلا يفطر إلا في كل أربعين يوما مرة ، ولا ينفتل من صلاته إلا كذلك وربما مد إلى الثمانين فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه وأعجبه شأن الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا إن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما رأيت ، وكان بلغنا عنك أنك غير الذي رأيت فدخل من ذلك على برصيصا أمر شديد ، وكره مفارقته للذي رآه من شدة اجتهاده فلما ودعه الأبيض قال له : إن عندي دعوات أعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه ، يشفي الله تعالى بها المريض ، ويعافي بها المبتلى والمجنون ، قال برصيصا : إني أكره هذه المنزلة لأن في نفسي شغلا ، وإني أخاف إن علم به الناس يشغلوني عن عبادة ربي عزوجل ، فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى أتى إبليس فقال : والله قد أهلكت الرجل. فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فجننه ، ثم جاءه في صورة رجل مطبب ، فقال لأهله : إن بصاحبكم جنونا أفأعالجه؟ قالوا : نعم ، فقال : إني لا أقوى على جنيته ، ولكن سأرشدكم إلى من يدعو الله تعالى فيعافيه. انطلقوا إلى برصيصا فإن عنده الاسم الذي إذا دعا به أجيب ، فانطلقوا به إليه فسألوه فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان ، فكان الأبيض يفعل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا فيدعو لهم فيعافون. فانطلق الأبيض فتعرض لجارية من بنات ملوك بني إسرائيل ، وكان لها ثلاثة إخوة ، وكان أبوهم هو الملك فلما مات استخلف أخاه فكان عمها ملك بني إسرائيل قصد لها وخنقها ، ثم جاء إليهم في صورة رجل مطبب فقال أفأعالجها؟ قالوا : نعم ، قال : إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى رجل تثقون به تدعونها عنده ، إذا جاءها شيطانها دعا لها حتى تعلموا أنها قد عوفيت فتردونها صحيحة ، قالوا : ومن هو؟ قال : برصيصا ، قالوا : كيف لنا أن يجيبنا إلى هذا وهو أعظم شأنا من ذلك ، قال : ابنوا صومعة إلى جنب صومعته ، ولتكن لزيق صومعته حتى يشرف عليها فإن قبلها وإلا فتضعونها في صومعتها ، ثم قولوا له : هي أمانة عندك فاحتسب أمانتك. فانطلقوا إليه فسألوه ذلك