غائب بعظمته عن كل حس ، فلذلك تصدّع الجبل من خشيته. ولما عبر عنه بأخص أسمائه أخبر عنه لطفا بنا وتنزلا لنا بأشهرها الذي هو مسمى الأسماء كلها بقوله تعالى : (اللهُ) أي : المعبود الذي لا تنبغي العبادة والألوهية إلّا له (الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فإنه لا مجانس له ، ولا يليق ولا يصح ولا يتصوّر أن يكافئه ، أو يدانيه شيء والإله أول اسم لله تعالى فلذلك لا يكون أحد مسلما إلا بتوحيده ، فتوحيده فرض وهو أساس كل فريضة (عالِمُ الْغَيْبِ) أي : الذي غاب عن جميع خلقه (وَالشَّهادَةِ) أي : الذي وجد فكان يحسه ويطلع عليه بعض خلقه. وقال ابن عباس : معناه عالم السرّ والعلانية ، وقيل : ما كان وما يكون. وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا ، وقيل : استوى في علمه السرّ والعلانية والموجود والمعدوم. وقوله تعالى : (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) معناه ذو الرحمة ، ورحمة الله تعالى إرادته الخير والنعمة والإحسان إلى خلقه. وقيل : إنّ رحمن أشدّ مبالغة من رحيم ، ولهذا قيل : هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأنه تعالى بإحسانه في الدنيا يعم المؤمن والكافر ، وفي الآخرة يختص إنعامه وإحسانه بالمؤمنين.
(هُوَ اللهُ) أي : الذي لا يقدر على تعميم الرحمة لمن أراد وتخصيصها بمن شاء إلا هو (الَّذِي لا إِلهَ) أي : لا معبود بحق (إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) أي : فلا ملك في الحقيقة إلا هو لأنه لا يحتاج إلى شيء ، لأنه مهما أراد كان فهو متصرّف بالأمر والنهي في جميع خلقه ، فهم تحت ملكه وقهره وإرادته (الْقُدُّوسُ) أي : البليغ في النزاهة عن كل وصم يدركه حس ، أو يتصوّره خيال ، أو يسبق إليه وهم ، أو يختلج إليه ضمير.
ونظيره : السبوح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح (السَّلامُ) أي : الذي سلم من النقائص وكل آفة تلحق الخلق ، فهو بمعنى السلامة ومنه دار السلام وسلام عليكم وصف به مبالغة في وصف كونه سليما من النقائص ، أو في إعطائه السلامة (الْمُؤْمِنُ) قال ابن عباس : هو الذي أمن الناس من ظلمه ، وأمن من آمن به عذابه. وقيل : هو المصدّق لرسله بإظهار المعجزات لهم ، والمصدّق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب وبما أوعد الكافرين من العذاب. وقال مجاهد : المؤمن الذي وحد نفسه لقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] قال ابن عباس : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار ، وأوّل من يخرج من وافق اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبي قال الله تعالى لباقيهم : أنتم المسلمون وأنا السلام وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن ، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين (الْمُهَيْمِنُ) قال ابن عباس أي الشهيد على عباده بأعمالهم الذي لا يغيب عنه شيء ، وقيل : هو القائم على خلقه بقدرته ، وقيل : هو الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن قلبت همزته هاء (الْعَزِيزُ) أي : الذي لا يوجد له نظير ، وقيل : هو الغالب القاهر (الْجَبَّارُ) الذي جبر خلقه على ما أراده ، أو جبر حالهم بمعنى أصلحه ، والجبار في صفة الله صفة مدح ، وفي صفة الناس صفة ذم وكذا قوله تعالى : (الْمُتَكَبِّرُ) أي : الذي تكبر على كل ما يوجب حاجة أو نقصا ، وهو في حقه تعالى صفة مدح لأنه له جميع صفات العلوّ والعظمة ، وفي صفة الناس صفة ذم لأنّ المتكبر هو الذي يظهر من نفسه التكبر ، وذلك نقص في حقه لأنه ليس له كبر ولا علوّ بل له الحقارة والذلة ، فإذا أظهر الكبر كان كذابا في فعله (سُبْحانَ اللهِ) أي : تنزه الملك الأعلى الذي اختص بجميع صفات الكمال تنزها لا تدرك العقول منه أكثر من أنه علا عن أوصاف الخلق فلا يدانيه شيء من نقص تعالى : (عَمَّا