أجيب : بأنّ هذا ليس مبنيا عليه لأن هذا ليس بيعا حقيقة فاغتفر ذلك لأجل المصلحة ، وإن شرطنا عدم الرد.
فإن قيل : هل يغرم الإمام لزوج المرتدة ما أنفق من صداقها ، لأنا بعقد الهدنة حلنا بينه وبينها ، ولولاه لقاتلناهم حتى يردوها؟.
أجيب : بأنّ هذا ينبني على أنّ الإمام هل يغرم لزوج المسلمة المهاجرة ما أنفق ، وقد تقدم الكلام على ذلك.
فائدة : روي عن ابن عباس أنه قال : لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة أم الحكم بنت أبي سفيان ، وكانت تحت شداد بن عياض الفهري ، وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب ، فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت ، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان ، وعزة بنت عبد العزيز بن نضلة ، وزوجها عمرو بن عبد ود ، وهند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل ، وأمّ كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر بن الخطاب رجعن عن الإسلام ، فأعطى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أزواجهنّ مهور نسائهم من الغنيمة.
ولما كان التحرّي في مثل ذلك عسرا فإنّ المهور تتفاوت تارة وتتساوى أخرى قال تعالى : (وَاتَّقُوا) أي : في الإعطاء والمنع وغير ذلك (اللهَ) الذي له صفات الكمال ، وقد أمركم بالتخلق بصفاته على قدر ما تطيقون (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي : متمكنون في رتبة الإيمان.
ولما خاطب المؤمنين الذين هم موضع الحماية والنصرة للدين أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعد الحكم بإيمانهن بمبايعتهن بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) مخاطبا له بالوصف المقتضي للعلم (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) جعل إقبالهن عليه صلىاللهعليهوسلم لا سيما مع الهجرة مصححا لإطلاق الهجرة عليهن (يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ) أي : كل واحدة منهن تبايعك على عدم الإشراك في وقت من الأوقات (بِاللهِ) أي : الملك الذي لا كفؤ له (شَيْئاً) أي من إشراك على الإطلاق (وَلا يَسْرِقْنَ) أي : يأخذن مال الغير بغير استحقاق في خفية (وَلا يَزْنِينَ) أي : يمكن أحدا من وطئهن بغير عقد صحيح (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) أي : بالوأد كما كان يفعل في الجاهلية من وأد البنات ، أي : دفنهن أحياء خوفا من العار والفقر (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ) أي : بولد ملقوط أو شبهة بأن (يَفْتَرِينَهُ) أي : يتعمدن كذبه بأن ينسبنه للزوج ، ووصفه بصفة الولد الحقيقي بقوله تعالى : (بَيْنَ أَيْدِيهِنَ) أي : بالحمل في البطون لأنّ بطنها التي تحمل فيها الولد بين يديها (وَأَرْجُلِهِنَ) أي : بالوضع من الفروج لأنّ فرجها الذي تلد منه بين رجليها ، أو لأنّ الولد إذا وضعته سقط بين يديها ورجليها.
وقيل : بين أيديهن ألسنتهن بالنميمة ، ومعنى : بين أرجلهن فروجهن. وقيل : ما بين أيديهن من قبلة أو جسة وبين أرجلهن الجماع. وروي أن هند لما سمعت ذلك قالت : والله إنّ البهتان لأمر قبيح ، وما يأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق (وَلا يَعْصِينَكَ) أي : على حال من الأحوال (فِي مَعْرُوفٍ) وهو ما وافق طاعة الله تعالى كترك النياحة ، وتمزيق الثياب ، وجز الشعر وشق الجيب ، وخمش الوجه (فَبايِعْهُنَ) أي : التزم لهن بما وعدن على ذلك من إعطاء الثواب في نظير ما ألزمن أنفسهن من الطاعة ، فبايعهن صلىاللهعليهوسلم بالقول ولم يصافح واحدة منهن. قالت عائشة رضى الله عنها «والله ما أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على النساء قط إلا بما أمر الله عزوجل ، وما مست كف رسول الله