بما هو لكم كالجبلة (تَعْمَلُونَ) أي : بكل جزء منه بما برز إلى الخارج ، وبما كان في جبلاتكم ولو بقيتم لفعلتموه ليجازيكم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقروا بألسنتهم بالإيمان (إِذا نُودِيَ) أي : من أي مناد كان من أهل النداء (لِلصَّلاةِ) أي : صلاة الجمعة (مِنْ) أي : في (يَوْمِ الْجُمُعَةِ) كقوله تعالى : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٠] أي : في الأرض ، والمراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ، لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نداء سواه ، كان إذا جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر أذن بلال ، وعن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعمر ، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثاني على الدور ، زاد في رواية فثبت الأمر على ذلك.
وعن أبي داود قال : كان يؤذن بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا جلس يوم الجمعة على المنبر على باب المسجد ، روي أنه كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مؤذن واحد فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد ، فإذا نزل أقام الصلاة ، ثم كان أبو بكر وعمر وعلي بالكوفة على ذلك حتى إذا كان عثمان ، وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا آخر ، فأمر بالتأذين الأول على داره التي تسمى زوراء ، فإذا سمعوا أقبلوا حتى إذا جلس عثمان على المنبر أذن الأذان الثاني الذي كان على زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا نزل أقام الصلاة ، فلم يعب ذلك عليه لقوله صلىاللهعليهوسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» (١).
قال الماوردي : أما الأذان الأول فمحدث فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها ، وكان عمر أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن سوقهم ، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد فجعله عثمان أذانين في المسجد. قال ابن العربي : وفي الحديث الصحيح : «أن الأذان كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم واحدا ، فلما كان زمن عثمان زاد النداء الثالث على الزوراء» (٢) ، وسماه في الحديث ثالثا لأنه أضافه إلى الإقامة ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «بين كل إذانين صلاة لمن شاء» (٣) يعني : الأذان والإقامة ، وتوهم بعض الناس أنه أذان أصلي فجعلوا
__________________
(١) أخرجه أبو داود في السنة حديث ٤٦٠٧ ، والترمذي في العلم حديث ٢٦٧٦ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٤٢ ، والدارمي في المقدمة حديث ٩٥ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٢٦ ، ١٢٧.
(٢) أخرجه البخاري في الجمعة حديث ٩١٢ ، والترمذي في الجمعة حديث ٥١٦ ، والنسائي في الجمعة حديث ١٣٩٢.
(٣) أخرجه البخاري في الأذان حديث ٦٢٧ ، ومسلم في المسافرين حديث ٨٣٨ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٢٨٣ والترمذي في الصلاة حديث ١٨٥ ، والنسائي في الأذان حديث ٦٨١ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١١٦٢.