فأنتم ترون ذلك خيرا ، فإذا علمتموه خيرا أقبلتم عليه فكان ذلك خيرا لكم وصلاة الجمعة فرض عين تجب على كل من جمع الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرية ، والذكورة ، والإقامة ، إذا لم يكن له عذرا مما ذكره الفقهاء ، ومن تركها استحق الوعيد. قال صلىاللهعليهوسلم : «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله تعالى على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين» (١) وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله تعالى على قلبه» (٢) قال ابن عادل : ونقل عن بعض الشافعية أن الجمعة فرض على الكفاية ، أما من به عذر يعذر به في ترك الجماعة مما يتصور هنا فلا تجب عليه ، وتجب على أعمى وجد قائدا وشيخ هرم وزمن وجدا مركبا لا يشق ركوبه عليهما.
واختلف أهل العلم في موضع إقامة الجمعة ، وفي العدد الذي تنعقد به الجمعة ، وفي المسافة التي يجب أن يؤتى منها ، فذهب قوم إلى أن كل قرية اجتمع فيها أربعون رجلا بالصفة المتقدمة تجب عليهم إقامة الجمعة فيها ، وهو قول عبد الله بن عمر ، وعمر ابن عبد العزيز ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق قالوا : لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين رجلا على هذه الصفة ، وشرط عمر بن عبد العزيز مع الأربعين أن يكون فيهم وال.
وعند أبي حنيفة تنعقد بأربعة ، والوالي شرط ، ولا تقام عنده إلا في مصر جامع. وقال الأوزاعي وأبو يوسف : تنعقد بثلاثة إن كان فيهم وال. وقال الحسن ، وأبو ثور : تنعقد باثنين كسائر الصلوات ، وقال شعبة : تنعقد باثني عشر رجلا ولا تجب الجمعة على أهل البوادي إلا إذا سمعوا النداء من موضع تقام فيه الجمعة ، فيلزمهم الحضور ، وإن لم يسمعوا فلا جمعة عليهم ، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق.
والشرط أن يبلغهم نداء مؤذن جهوري الصوت في وقت تكون الأصوات هادئة ، والرياح ساكنة فكل قرية تكون من موضع الجمعة في القرب على هذا القدر يجب على أهلها حضور الجمعة. وقال سعيد بن المسيب : تجب الجمعة على من آواه المبيت. قال الزهري : تجب على من كان على ستة أميال وقال ربيعة : على أربعة أميال ، وقال مالك والليث : على ثلاثة أميال ، وقال أبو حنيفة : لا جمعة على أهل البوادي سواء كانت القرية قريبة أم بعيدة.
دليل الشافعي ومن وافقه ما روى البخاري عن ابن عباس : «أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مسجد عبد القيس بجؤاثا من البحرين» ، ولأبي داود نحوه ، وفيه بجؤاثا قرية من قرى البحرين» (٣).
تنبيه : فضل يوم الجمعة مشهور وأحاديثه كثيرة مشهورة تقدم بعضها ، ومنها : أن الله يعتق في كل جمعة ستمائة عتيق من النار» (٤) ، وعن كعب : إن الله تعالى فضل من البلدان مكة ، ومن الشهور
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجمعة حديث ٨٦٥ ، والنسائي في الجمعة حديث ١٣٧٠.
(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ١٠٥٣ ، والترمذي في الجمعة حديث ٥٠٠ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١١٢٥.
(٣) أخرجه البخاري في الجمعة حديث ٨٩٢ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٠٦٨.
(٤) أخرجه بنحوه الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ١٦٥.