رمضان ، ومن الأيام الجمعة. وقال صلىاللهعليهوسلم : «من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ، ووقي فتنة القبر» (١) وفي الحديث «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد بأيديهم صحف من فضة ، وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم» (٢) قال الزمخشري : وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج ، وقيل : أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة. وعن ابن مسعود : أنه بكر فرأى ثلاثة نفر سبقوه فاغتم وأخذ يعاتب نفسه ويقول : أراك رابع أربعة ، وما رابع أربعة بسعيد. وعن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ـ أي : مثل غسلها ـ ثم راح في الساعة الأولى كان كمن قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة كأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر» (٣) وروى النسائي «في الخامسة كالذي يهدي عصفورا ، وفي السادسة بيضة ، فمن جاء في أول ساعة منها ، ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل البدنة مثلا ، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الآخر ، وبدنة المتوسط متوسطة» (٤) وهذا في حق غير الإمام أما هو فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة اتباعا للنبي صلىاللهعليهوسلم وخلفائه ، ويسن إكثار الدعاء يومها وليلتها ، أما يومها فلرجاء أن يصادف ساعة الإجابة ، وهي ساعة خفية وأرجاها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة كما في خبر مسلم. قال النووي : وأما خبر : «يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة فيه ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر» (٥) فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوما في وقت ، ويوما في آخر كما هو المختار في ليلة القدر.
وأما ليلتها فبالقياس على يومها ، وقد قال الشافعي : بلغني أن الدعاء يستجاب في ليلة الجمعة ، ويسن إكثار الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم في يومها وليلتها لخبر : «أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» (٦) وإكثار قراءة سورة الكهف يومها وليلتها لخبر : «من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» (٧) وخبر : «من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (٨) وفي هذا القدر كفاية.
ولما حث على الصلاة وأرشد إلى أن وقتها لا يصلح لطلب شيء غيرها بين لهم وقت المعاش بقوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أي : وقع الفراغ منها على أيّ وجه كان (فَانْتَشِرُوا) أي : فدبوا وتفرقوا مجتهدين (فِي الْأَرْضِ) أي : جميعها للتجارة والتصرف في حوائجكم إن شئتم
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٣ / ٢١٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٣٨٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٧٦ ، ٢٢٠ بلفظ : «من مات يوم الجمعة ، وقي فتنة القبر».
(٢) أخرجه بنحوه النسائي في الجمعة حديث ١٣٨٥.
(٣) أخرجه البخاري في الجمعة حديث ٨٨١ ، ومسلم في الجمعة حديث ٨٥٠.
(٤) أخرجه النسائي في الجمعة حديث ١٣٨٧.
(٥) أخرجه النسائي في الجمعة حديث ١٣٨٩.
(٦) أخرجه ابن ماجه في الإقامة حديث ١٦٣٧.
(٧) أخرجه الدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٤٠٧.
(٨) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٣ / ٢٤٩.