لا جناح عليكم ولا حرج رخصة من الله تعالى لكم (وَابْتَغُوا) أي : اطلبوا الرزق (مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي : الذي بيده كل شيء ولا شيء لغيره ، وهذا أمر إباحة كقوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] قال ابن عباس : إن شئت فاخرج ، وإن شئت فاقعد ، وإن شئت فصل إلى العصر. وقيل : فانتشروا في الأرض ليس لطلب دنيا ، ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة ، وزيارة أخ في الله تعالى. وقال الحسن ، وسعيد بن جبير ومكحول (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) هو طلب العلم (وَاذْكُرُوا اللهَ) أي : الذي له الأمر كله (كَثِيراً) أي : بحيث لا تغفلون عنه بقلوبكم أصلا ولا بألسنتكم حتى عند الدخول إلى الخلاء وعند أول الجماع ، واستثني من الثاني وقت التلبس بالقذر كوقت قضاء الحاجة والجماع (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : تفوزون بالجنة والنظر إلى وجهه الكريم وعن جابر بن عبد الله «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها ، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا» (١) وفي رواية «أنا فيهم» فأنزل الله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) أي : حمولا هي موضع للتجارة (أَوْ لَهْواً) أي : ما يلهي عن كل نافع (انْفَضُّوا) أي : نفروا متفرقين من العجلة (إِلَيْها) أي : التجارة لأنها مطلوبهم دون اللهو ، وأيضا العطف بأو فإفراد الضمير أولى. وقال الزمخشري : تقديره : إذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه. وذكر الكلبي وغيره : أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عن مجاعة وغلاء سعر ، وكان معه جميع ما تحتاج إليه الناس من بر ودقيق وغيره ، فنزل عند أحجار الزيت وضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه ، فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا ، وقيل : أحد عشر رجلا ، وقال ابن عباس في رواية الكلبي : لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط. وقال الحسن وأبو مالك : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية ابن خليفة بتجارة زيت من الشام ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، فلما لم يبق مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلا رهط منهم أبو بكر وعمر فنزلت هذه الآية ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا» (٢).
وقال مقاتل بن حيان ، ومقاتل بن سليمان : بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة وكان إذا قدم المدينة لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته ، وكان يقدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وغيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وكانت في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فخرج إليه الناس ليتبايعوا منه ، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس ، ولم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «لو لا هؤلاء لرميت عليهم الحجارة من السماء» (٣) وأنزل الله تعالى هذه الآية والمراد باللهو الطبل.
وقيل : كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوا بالطبل والتصفيق. وقال علقمة : سئل عبد الله
__________________
(١) أخرجه البخاري في البيوع حديث ٢٠٥٨ ، ومسلم في الجمعة حديث ٨٦٣ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣١١.
(٢) أخرجه بنحوه ابن كثير في تفسيره ٤ / ٣٦٨ ، وابن حبان في صحيحه ٦٨٧٧.
(٣) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢٢١.