إن لها السكنى والنفقة. وعن الشعبي قال : لقيني الأسود بن يزيد فقال : يا شعبي اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس ، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة ، فقلت : لا أرجع عن شيء. حدثتني فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولأنه لو كان لها سكنى لما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
وأجيب عن ذلك : بما روت عائشة أنها قالت : كانت فاطمة في مكان وحش فخيف على ناحيتها ، وقال سعيد بن المسيب : إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على إحمائها ، وقال قتادة وابن أبي ليلى : لا سكن إلا للرجعية لقوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [الطلاق : ١] وقوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَ) راجع لما قبله وهي المطلقة الرجعية (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) أي : بعد انقضاء علقة النكاح (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : على ذلك الإرضاع وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية ، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم تبن ، ويجوز عند الشافعي مطلقا وقوله تعالى : (وَأْتَمِرُوا) خطاب للأزواج والزوجات ، أي : ليأمر بعضكم بعضا في الإرضاع والأجر فيه وغير ذلك ، وليقبل بعضكم أمر بعض.
وقال الكسائي : ائتمروا تشاوروا ، وتلا قوله تعالى : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) [القصص : ٢٠] وأنشد قول امرىء القيس (١) :
ويعدو على المرء ما يأتمر
وزادهم رغبة في ذلك بقوله تعالى : (بَيْنَكُمْ) أي : إن هذا الخير لا يعدوكم ، وأكد ذلك بقوله تعالى : (بِمَعْرُوفٍ) ونكره سبحانه تخفيفا على الأمة بالرضى بالمستطاع ، وهو يكون مع الأخلاق بالاتصاف ، ومع النفس بالخلاف (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) أي : طلب كل منكم ما يعسر على الآخر ، كأن طلبت المرأة الأجرة وطلب الزوج إرضاعها مجانا (فَسَتُرْضِعُ لَهُ) أي : الأب (أُخْرى) أي : مرضعة غير الأم ويغني الله تعالى عنها ، وليس له أن يكرهها على ذلك ، نعم إذا لم يقبل ثدي غيرها أو لم يوجد غيرها أجبرت على ذلك بالأجرة ، وهذا الحكم لا يختص بالمطلقة بل المنكوحة كذلك.
واختلفوا فيمن يجب عليه رضاع الولد ، فقال مالك : رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه حينئذ في ماله ، وقال أبو حنيفة : لا يجب على الأم بحال ، وقيل : يجب عليها بكل حال. ولو طلبت الأم أجرة المثل وهناك أجنبية ترضع بدون أجرة المثل ، أو متبرعة تخير الأب بينهما ولا يضيق على الأب بدفع الأجرة لأنه صلىاللهعليهوسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم (٢). وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي
__________________
(١) صدره :
أحار بن عمرو كأني خمر
والبيت من المتقارب ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٤ ، والدرر ٥ / ١٧٩ ، ولسان العرب (أمر) (خمر) ، (نفس) ، وللنمر بن تولب في ملحق ديوانه ص ٤٠٤ ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ١٢ ، والمقتضب ٤ / ٢٣٤.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٣ ، والأدب باب ٨٠ ، والحدود باب ١٠ ، ومسلم في الفضائل حديث ٧٧ ، ٧٨ ، وأبو داود في الأدب باب ٤ ، والترمذي في المناقب باب ٣٤ ، ومالك في حسن الخلق حديث