بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بين بين ، والباقون بالفتح.
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) أي : مال واسع ولم يكلفه تعالى جميع وسعه بل قال تعالى : (مِنْ سَعَتِهِ) أي : لينفق الزوج على زوجته وولده الصغير على قدر وسعه إذا كان موسعا عليه (وَمَنْ قُدِرَ) أي : ضيق (عَلَيْهِ رِزْقُهُ) فعلى قدر ذلك فيقدر النفقة بحسب حال المنفق ، والحاجة من المنفق عليه بالاجتهاد على مجرى العادة. قال تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٣] وقال صلىاللهعليهوسلم لهند : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (١) لكن نفقة الزوجة مقدرة عند الشافعي محدودة فلا اجتهاد للحاكم ولا للمفتي فيها ، وتقديرها هو بحسب حال الزوج وحده من يسار وإعسار ، ولا اعتبار بحالها فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس ، فيلزم الزوج الموسر مدان ، والمتوسط مد ونصف ، والمعسر مد لظاهر قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) فجعل الاعتبار بالزوج في اليسر والعسر ، ولأن الاعتبار بحالها يؤدي إلى الخصومة لأن الزوج يدعي أنها تطلب فوق كفايتها وهي تزعم أنها تطلب قدر كفايتها فقدرت قطعا للخصومة. وقوله تعالى : (فَلْيُنْفِقْ) أي : وجوبا على المرضع وغيرها من كل ما أوجبه الله تعالى عليه. (مِمَّا آتاهُ اللهُ) أي : الملك الذي لا ينفد ما عنده ، ولو من رأس المال ومتاع البيت (لا يُكَلِّفُ اللهُ) أي : الذي له الملك كله (نَفْساً) أيّ نفس كانت. (إِلَّا ما آتاها) أي : أعطاها من المال (سَيَجْعَلُ اللهُ) أي : الملك الذي له الكمال كله فلا خلف لوعده. (بَعْدَ عُسْرٍ) أي : بعد كل عسر (يُسْراً) وقد صدق الله وعده فيمن كانوا موجودين بعد نزول الآية ففتح عليهم جميع جزيرة العرب ، ثم فارس والروم حتى صاروا أغنى الناس وصدق الآية دائم غير أنه في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ونفعنا بهم آمين لأن إيمانهم أتم. قال القشيري : وانتظار اليسر من الله صفة المتوسطين في الأحوال الذين انحطوا عن درجة الرضا ، وارتقوا عن حد اليأس والقنوط ، ويعيشون في إفناء الرجال ، ويتعللون بحسن المواعيد ا. ه.
ولما ذكر الأحكام والمواعظ والترغيب لمن أطاع حذر من خالف بقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ) هي كاف الجر دخلت على أيّ بمعنى : كم (مِنْ قَرْيَةٍ) أي : وكثير من القرى. وقرأ ابن كثير بالألف بعد الكاف وبعد الألف همزة مكسورة وقفا ووصلا ، وقرأ الباقون في الوصل بهمزة مفتوحة بعد الكاف وبعد الهاء ياء تحتية مكسورة مشددة ، وعبر عن أهل القرية بها مبالغة فقال : (عَتَتْ) أي : استكبرت وجاوزت الحد في عصيانها وطغيانها فأعرضت عنادا (عَنْ أَمْرِ رَبِّها) أي : الذي أحسن إليها ولا يحسن إليها غيره (وَرُسُلِهِ) فلم تقبل منهم ما جاؤوا به عن الله تعالى ، فإن طاعتهم من طاعته (فَحاسَبْناها) أي : في الآخرة وإن لم تجىء لتحقق وقوعها (حِساباً شَدِيداً) أي : بالمناقشة والاستقصاء (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) أي : منكرا فظيعا ، وهو عذاب النار ، وقيل : العذاب في الدنيا فيكون على حقيقته ، أي : جازيناها بالعذاب في الدنيا ، وعذبناها عذابا نكرا في الآخرة ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط ، والسيف ،
__________________
٢ ، وأحمد في المسند ٦ / ٨٥ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٦ ، ١٣٠ ، ١٦٢ ، ١٨٢ ، ١٨٩ ، ١٩١ ، ٢٠٩ ، ٢٢٣ ، ٢٣٢ ، ٢٦٢.
(١) أخرجه البخاري في النفقات حديث ٥٣٦٤ ، وأبو داود في البيوع حديث ٣٥٣٢ ، والنسائي في القضاة حديث ٥٤٢٠ ، وابن ماجه في التجارات حديث ٢٢٩٣.