قال الرازي في «اللوامع» : واللجاج تقحم الأمر مع كثرة الصوارف عنه ، (فِي عُتُوٍّ) أي : مظروفين لعناد وتكبر عن الحق وخروج إلى فاحش الفساد (وَنُفُورٍ) أي : تباعد عن الحق ، واستولى ذلك عليهم حتى أحاط بهم مع أنه لا قوة لأحد منهم في جلب سارّ ولا دفع ضارّ والداعي إلى ذلك الشهوة والغضب.
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا) أي : واقعا (عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أي : معتدلا (عَلى صِراطٍ) أي : طريق (مُسْتَقِيمٍ) وخبر من الثانية محذوف دل عليه خبر الأولى ، أي : أهدى ، والمثل في المؤمن والكافر ، أي : أيهما أهدى ، وقيل : المراد بالمكب الأعمى ، فإنه يتعسف فينكب وبالسوي البصير. وقيل : المكب هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ، ومن يمشي سويا : الذي يحشر على قدميه إلى الجنة ، وقال ابن عباس والكلبي رضي الله عنهم : عنى بالذي يمشي مكبا على وجهه أبا جهل ، وبالذي يمشي سويا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : أبو بكر ، وقيل : حمزة ، وقيل : عمار بن ياسر ، قال عكرمة : وقيل : عامّ في الكافر والمؤمن ، أي : أن الكافر لا يدري أعلى حق هو أم على باطل ، أي : أهذا الكافر أهدى أم المسلم الذي يمشي سويا معتدلا يبصر الطريق وهو على صراط مستقيم وهو الإسلام ، وقرأ قنبل بالسين وقرأ خلف بالإشمام ، أي : بين الصاد والزاي والباقون بالصاد الخالصة.
(قُلْ) أي : يا أشرف الخلق وأشفقهم عليهم مذكرا لهم بما رفع عنهم الملك من المفسدات وجمع لهم من المصلحات ليرجعوا إليه ، ولا يعولوا في حال من أحوالهم إلا عليه (هُوَ) أي : الذي شرفكم بهذا الذكر وبين لكم هذا البيان (الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أي : أوجدكم ودرجكم في مدارج التربية حيث طوركم في الأطوار المختلفة في الرحم ، ويسر لكم بعد الخروج اللبن حيث كانت المعدة ضعيفة عن أكثف منه (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) أي : لتسمعوا ما تعقله قلوبكم فيهديكم ، ووحده لقلة التفاوت فيه ليظهر سر تصرفه سبحانه في القلوب بغاية المفاوتة مع أنه أعظم الطرق الموصلة للمعاني إليها (وَالْأَبْصارَ) لتنظروا صنائعه فتعتبروا وتزدجروا عما يرديكم (وَالْأَفْئِدَةَ) أي : القلوب التي جعلها سبحانه في غاية التوقد بالإدراك لما لا يدركه بقية الحيوان لتتفكروا فتقبلوا على ما يعليكم ، وجمعهما لكثرة التفاوت في نور الأبصار وإدراك الأفئدة. (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي : باستعمالها فيما خلقت لأجله ، وما مزيدة والجملة مستأنفة مخبرة بقلة شكرهم جدا على هذه النعم ، وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان وأعلاهم في العرفان.
(قُلْ هُوَ) أي : وحده (الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي : خلقكم وبثكم ونشركم وكثركم وأنشأكم بعدما كنتم كالذر أطفالا ضعفاء (فِي الْأَرْضِ) التي تقدم أنه ذللها لكم ورزقكم منها النبات وغيره (وَإِلَيْهِ) أي : وحده بعد موتكم (تُحْشَرُونَ) شيئا فشيئا إلى البرزخ ودفعة واحدة يوم البعث للحساب فيجازى كلا بعمله.
(وَيَقُولُونَ) أي : يجددون هذا القول تجديدا مستمرا استهزاء وتكذيبا (مَتى هذَا) وزادوا في الاستهزاء بقولهم (الْوَعْدُ) أي : يوم القيامة والعذاب الذي توعدوننا به (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : في أنه لا بدّ لنا منه وأنكم مقربون عند الله ، فلو كان لهم ثبات الصبر لما كانوا طاشوا هذا الطيش بإبراز هذا القول القبيح.
ثم إنه تعالى أجاب عن هذا السؤال بقوله عزوجل : (قُلْ) أي : يا أكرم الخلق لهؤلاء