البعداء (إِنَّمَا الْعِلْمُ) أي : علم وقت قيام الساعة ونزول العذاب (عِنْدَ اللهِ) أي : الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال ، فهو الذي يكون عنده وبيده جميع ما يراد منه لا يطلع عليه غيره (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) أي : كامل في أمر النذارة التي يلزم منه البشارة لمن أطاع النذير ، لا وظيفة لي عند الملك الأعظم غير ذلك فلا وصول إلى سؤاله عما لا يؤذن لي في السؤال عنه (مُبِينٌ) أي : بين الإنذار بإقامة الأدلة حتى يصير ذلك كأنه مشاهدة لمن له قبول العلم.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي : العذاب بعد الحشر (زُلْفَةً) أي : ذا قرب عظيم منهم (سِيئَتْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي : اسودّت (وُجُوهُ) وأظهر في موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف فقال تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أظهروا السوء وغاية الكراهة في وجوه من أوقع هذا الوصف.
تنبيه : الأصل ساء ، أي : أحزن وجوههم العذاب ورؤيته ، ثم بني للمفعول وساء هنا ليست المرادفة لبئس.
وأشم كسرة السين نافع وابن عامر والكسائي والباقون باختلاس الكسرة. وقيل : أي : قال لهم الخزنة تقريعا وتوبيخا (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ) أي : جبلة وطبعا (بِهِ) أي : بسببه ومن أجله (تَدَّعُونَ) أي : تتمنون وتسألون وتزعمون أنكم لا تبعثون ، وهذه حكاية حال تأتي عبر عنها بطريق المضي لتحقق وقوعها ، وقرأ هشام والكسائي بضم القاف والباقون بكسرها.
(قُلْ) أي : يا أكرم الخلق لهؤلاء الذين طال تضجرهم منك وهم يتمنون هلاكك كما قال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠](أَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني خبرا أنتم في الوثوق به على ما هو كالرؤية (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) أي : أماتني بعذاب أو غيره الذي له من الجلال والإكرام ما يعصم به وليه ويقصم عدوه.
وقرأ : قل أرأيتم في الموضعين ، نافع بتسهيل الهمزة بعد الواو ، ولورش أيضا إبدالها ألفا وأسقطها الكسائي والباقون بالتحقيق وإذا وقف حمزة سهل الهمزة ، وقرأ : (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) حمزة بسكون الياء والباقون بفتحها ، ومن سكن الياء رقق اللام من الاسم الجليل ومن فتحها فخم (وَمَنْ مَعِيَ) أي : من المؤمنين (أَوْ رَحِمَنا) أي : بالنصر وإظهار الإسلام كما نرجو فأنجانا بذلك من كل سوء ووقانا كل محذور ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بالسكون (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ) أي : العريقين في الكفر بأن يدفع عنهم ما يدفع الجار عن جاره (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي : لا مجير لهم منه.
(قُلْ) أي : يا خير الخلق (هُوَ) أي : الله وحده (الرَّحْمنُ) أي : الشامل الرحمة (آمَنَّا بِهِ) أي : أنا ومن معي (وَعَلَيْهِ) أي : وحده (تَوَكَّلْنا) أي : لأنه لا شيء في يد غيره وإلا لرحم من يريد عذابه أو عذب من يريد رحمته ، فكل ما جرى على أيدي خلقه من رحمة أو نقمة فهو الذي أجراه لأنه الفاعل بالذات المستجمع لما يليق به من الصفات فنحن نرجو خيره ولا نخاف غيره (فَسَتَعْلَمُونَ) أي عند معاينة العذاب عما قليل بوعد لا خلف فيه (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي :
بين أنحن أم أنتم ، وقرأ الكسائي بعد السين بياء الغيبة نظرا إلى قول الكافرين والباقون بتاء الخطاب إما على الوعيد ، وإما على الالتفات من الغيبة المرادة في قراءة الكسائي وهو تهديد لهم.
(قُلْ) أي : يا أعظم خلقنا وأعلمهم بنا (أَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني إخبارا لا لبس فيه (إِنْ