قال الترمذيّ : وهذا القول ضعيف ومحال في اللغة أن يكون من يشوبه شيء قليل ، فينسب كله إلى ذلك الشائب ، فالعجب ممن قد قال هذا. وقد قال الله تعالى : (جِمالَتٌ صُفْرٌ) فلا نسلم من هذا شيئا في اللغة. وقيل : شبه الشرر بالجمالات لسرعة سيرها ، وقيل : لمتابعة بعضها بعضا.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ يكون ذلك (لِلْمُكَذِّبِينَ) أي : بهذه الأمور العظام.
(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))
(هذا) أي : يوم القيامة (يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) أي : بشيء من فرط الدهشة والحيرة ، وهذا نوع آخر من أنواع تخويف الكفار بين أنه ليس لهم عذر ولا حجة فيما أتوا به من القبائح وهذا في بعض المواقف ، فإنّ يوم القيامة يوم طويل ذو مواطن ومواقيت ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت ، ولذلك ورد الأمر أن في القرآن الكريم ففي بعضها يختصمون ويتكلمون ، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا ينطقون.
وروى عكرمة أنّ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) و (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) [طه : ١٠٨] و (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧] فقال : إنّ الله تعالى يقول : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧] فإنّ لكل مقدار من هذه الأيام لونا من هذه الألوان. وقال الحسن : فيه إضمار أي : هذا يوم لا ينطقون فيه بحجة نافعة ، فجعل نطقهم كلا نطق لأنه لا ينفع ولا يسمع ، ومن نطق بما لا ينفع فكأنه ما نطق كما يقال لمن تكلم بكلام لا يفيد : ما قلت شيئا. وقيل : إنّ هذا وقت جوابهم (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨].
(وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) أي : في العذر وقوله تعالى : (فَيَعْتَذِرُونَ) عطف على يؤذن من غير تسبب عنه فهو داخل في حيز النفي أي : لا إذن فلا اعتذار.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ كان هذا الموقف (لِلْمُكَذِّبِينَ) أي : الذين لا تقبل منهم معذرة.
(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) وهذا نوع آخر من أنواع تهديد الكفار وتخويفهم أي : يقال لهم هذا اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق فيتبين المحق من المبطل (جَمَعْناكُمْ) أيها المكذبون من هذه الأمّة بما لنا من العظمة (وَالْأَوَّلِينَ) من المكذبين قبلكم فتحاسبون وتعذبون جميعا. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : جمع الذين كذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم والذين كذبوا النبيين من قبل.
وقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ) أي : حيلة في دفع العذاب عنكم (فَكِيدُونِ) أي : فاحتالوا لأنفسكم وقاوون ، ولن تجدوا ذلك تقريع لهم على كيدهم لدين الله تعالى وذويه وتسجيل عليهم بالعجب ، وقيل : إنّ ذلك من قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيكون كقول هود عليهالسلام (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود : ٥٥].
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ يقال لهم هذا الكلام فيكون زيادة في عذابهم (لِلْمُكَذِّبِينَ) أي : الراسخين في التكذيب في ذلك.